د. هاني محمود العدوان
في خضم أتون تحديات اقتصادية خانقة، حيث يئن الأردنيون تحت وطأة أعباء معيشية متزايدة، يصبح لزاما على الحكومة أن ترتقي بقراراتها إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها، فلا مجال هنا لقرارات ارتجالية أو حلول مسكنة، بل نحن بحاجة إلى رؤية استراتيجية حكيمة، تستشعر نبض الشارع وتترجم آلام المواطنين إلى خطط عمل واقعية
إن تجاهل هذا الواقع المرير، والاستهانة بالضغوط النفسية والاقتصادية التي يعيشها المواطن ، ليس مجرد خطأ في التقدير، بل هو نذير شؤم ينذر بعواقب وخيمة تهدد نسيجنا الاجتماعي واستقرار وطننا، فكيف يعقل أن تفرض المزيد من الضرائب والرسوم على كاهل مثقل بالجراح، دون أن يلوح في الأفق أي بصيص أمل للتخلص من هذا النهج العقيم الذي لا يزيد المواطن إلا شعورا بالغبن والإحباط المتراكم، ويقوض أي بذرة ثقة قد تكون متبقية
صحيح أن الدولة بحاجة إلى موارد لتسيير أمورها، لكن السؤال الذي يتردد صداه في كل بيت أردني ” هل هذا هو التوقيت المناسب، وهل الآلية المتبعة عادلة ومنصفة”، والأهم من ذلك، هل يملك المواطن القدرة على تحمل هذه الطاحونة من الأعباء المتزايدة
إن التخبط الملحوظ في بعض القرارات الأخيرة، كفرض رسوم جباية على الأراضي، و تغليظ عقوبات تخزين الطاقة بشكل مفاجئ، يطعن في صميم ثقتنا بقدرة الحكومة على فهم أولوياتنا وتأثير قراراتها على تفاصيل حياتنا اليومية، فبدلا من أن تكون القرارات محفزا للنمو وبلسما لجراحنا المعيشية، تبدو في كثير من الأحيان وكأنها تزيد الطين بلة وتزرع بذور القلق واليأس في نفوسنا
إن الغياب المروع للدراسات الميدانية المتعمقة، التي يفترض أن تكون البوصلة التي توجه صناع القرار نحو فهم حقيقي لأوضاع الناس، يمثل فجوة كارثية في صلب عملية صنع السياسات، فكيف يمكن رسم مسارات اقتصادية واجتماعية فاعلة ومستدامة دون فهم دقيق لتأثيرها على أرض الواقع،
إن صوت المواطن، واحتياجاته الملحة، وتحدياته اليومية، يجب أن يكون الحاضر الغائب في كل مرحلة من مراحل اتخاذ القرار
إن استعداء الناس وتجاهل مشاعرهم ليس خيارا رشيدا، بل هو قنبلة موقوتة قد تدفع بالوطن إلى منعطفات خطيرة لا تحمد عقباها، فالشعور بالعدل والمشاركة الحقيقية في بناء مستقبل الوطن هو الضمانة الحقيقية للاستقرار والازدهار، عندما يشعر المواطن بأن صوته مسموع، وأن حكومته تقف بجانبه وتراعي ظروفه، يصبح أكثر استعدادا للتكاتف وتحمل المسؤولية، أما تهميشه وعدم الاكتراث بآلامه، فلن يؤدي إلا إلى حالة من السخط العام والفوضى التي لا يتمناها أي مخلص لهذا الوطن
إن المصلحة العليا للأردن تستدعي من الحكومة تبني مقاربة أكثر اتزانا وواقعية عند صياغة القرارات الاقتصادية، وهذا يتطلب جملة من الإجراءات العاجلة والجريئة، تبدأ بإجراء مسح شامل لأحوال المواطنين، لفهم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لحياتهم قبل اتخاذ أي قرار يمس جوهر وجودهم، كما يستلزم الأمر فتح قنوات تواصل حقيقية وفاعلة لإشراك المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني في عملية صنع القرار، والإنصات بتمعن لآرائهم ومقترحاتهم، لا التعامل معهم كأرقام صامتة في جداول الإحصاء
الأولوية القصوى يجب أن تعطى للقرارات التي تحفز النمو الاقتصادي الحقيقي، وتخلق فرص عمل مستدامة لأبنائنا، وتسهم في تحسين مستوى معيشتهم بشكل ملموس، وعند تطبيق أي قرارات اقتصادية، يجب أن يتم ذلك بتدرج ومراعاة دقيقة للقدرة على التحمل، مع توفير شبكات أمان اجتماعي حقيقية ودعم مباشر للأسر الأكثر تضررا، لا مجرد مسكنات مؤقتة
الشفافية المطلقة والوضوح الجلي في شرح أسباب القرارات وتبيان الفوائد المتوقعة منها على المدى الطويل، هي عناصر أساسية لبناء الثقة وتعزيز العلاقة المتينة بين الحكومة والمواطن، فالثقة هي حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك ومستقر، وقرارات متوازنة ومراعية للواقع هي الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف وضمان مستقبل مشرق للأردن وأجياله القادمة، أما الاستمرار في هذه القرارات “البلا بوصلة”، فلن يقودنا إلا إلى مزيد من التدهور والضياع في غياهب المجهول الاقتصادي
لقد آن الأوان للاستماع إلى صوت العقل بدلا من هذا التخبط الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الشعبي ضد حكومة وطن بات بأمس الحاجة إلى صدق الإنتماء