وطنا اليوم _بقلم د. احمد زياد أبو غنيمة:
أستاذنا الكبير احمد سلامة في مقاله المعنون ” الإخوان المسلمون، مسألة ام مشكلة وطنية “؛ اثار حماستي للتعقيب – لا للرد – على ما جاء في مقاله اعلاه، وهذا التعقيب على مقالة أستاذنا أبو رفعت؛ هو الاشتباك الحواري الثاني بيننا، فقد كان الأول في صيف عام ١٩٩٦م – وقد كنت شابا يافعاً – حين كتبت ردا على مقال للاستاذ احمد سلامة انتقد فيه المرحوم بإذن الله م. ليث شيلات حيت تم سجنه في ذلك العام بتهمة إطالة اللسان، ردي كان بعنوان ” لم تفند أقواله..بل اغتلت شخصيته”.
ولعل ما بيننا كعائلة وبين الاستاذ ابو رفعت كصداقة ومحبة واحترام، قديمة ومتجددة؛ مع الوالد الحبيب رحمه الله واعمامي والجيل الجديد من الأبناء، ما شجعني لاعقّب تعقيبا موضوعيا بحوار عقلاني منطقي ادعو ويدعو له دائما أستاذنا ابو رفعت بين أطياف المعارضة والدولة الاردنية بمؤسساتها واجهزتها.
وحتى يستقيم الحديث عن علاقة الدولة واجهزة الدولة بالإخوان المسلمين تحديدا؛ لا بد من التذكير ببعض المحطات التاريخية التي كانت حاضرة في تاريخ العلاقة بين الإخوان والدولة:
كقارىء وكدارس للتاريخ دراسة اكاديمية، ومن خلال معايشتي للوالد الحبيب رحمه الله لسنوات طويلة، وقد كان من قيادات الاخوان البارزين؛ اقول
– ان تاريخ الاردن منذ الأربعينات يشهد للإخوان المسلمين ويؤكد انهم كانوا على الدوام في صف الدولة الإردنية؛ بل ان كثيراً من خصومهم من اليسار والقوميين كانوا ينعتوهم بانهم ” أزلام النظام ” وانهم تمتعوا بدلال الدولة الإردنية لعقود ( وهو ادعاء ثبت عكسه بان اليسار والقوميين هم من حازوا على دلال الدولة ).
– كان الإخوان في الاردن مع الدولة الاردنية في المشاركة بحرب فلسطين ١٩٤٨م عندما شاركوا بسرّية من المجاهدين يتقدّمهم الشيخ عبد اللطيف ابو قورة المراقب العام للإخوان في ذلك الوقت.
– ووقفوا مع الدولة والشعب في رفض حلف بغداد عام ١٩٥٥م ( رفضته حكومة دولة هزاع المجالي واستقالت بعد رفض شعبي عارم ).
– وكانوا مع الدولة الأردنية في قرار تعريب الجيش عام ١٩٥٦م.
– ومع الدولة الاردنية في إلغاء المعاهدة الاردنية البريطانية عام ١٩٥٧م.
– ووقفوا في صف النظام في المحاولة الإنقلابية عام ١٩٥٧م من اليسار والشيوعيين والقوميين بدعم من جمال عبد الناصر ( ومنطقياً كان وقوفهم مع النظام حماية للدولة وحماية لانفسهم ضد ازلام عبد الناصر الذي نكّل بالإخوان في مصر).
– ووقفوا مع الدولة الأردنية في احداث ايلول ١٩٧٠م عندما نأوا بانفسهم عن الدخول في صراع الدولة مع بعض الفصائل الفلسطينية.
– وقفوا مع الدولة الأردنية في المحافظة على الأمن والاستقرار في احداث نيسان ١٩٨٩، ثم شاركوا في الانتخابات التي أمر بها الملك الراحل الحسين؛ رغم ما عانوه في سنوات ١٩٨٥ – ١٩٨٩ من مضايقات واعتقالات وفصل من العمل لرموزهم في الجامعات.
– ووقفوا مع الدولة الاردنية في حرب الخليج الثانية ١٩٩٠- ١٩٩١م.
– شاركوا في حكومة الرئيس مضر بدران في عام ١٩٩١ لتعزيز المسيرة الديمقراطية الناشئة.
– ووقفوا مع الدولة الأردنية في المحافظة على الوطن في الربيع العربي ٢٠١١م؛ فكان الاردن البلد العربي الوحيد الذي كانت شعارات حراكه السياسي الذي كان الإخوان الفاعل الرئيسي فيه ” إصلاح النظام”.
– وقفوا مع الدولة في مشروع تحديث المنظومة السياسية الذي أطلقه ورعاه ملك البلاد؛ ونتيجة لذلك شاركوا في الانتخابات النيابية الاخيرة وحققوا نتائج كبيرة.
واعود إلى مقالة الأستاذ أحمد سلامة؛ لاناقشه بالنقاط التالية:
يقول الأستاذ أحمد سلامة أن ” الإخوان المسلمين يعبرون في هذه اللحظة التاريخية الفارقة مأزقا معتما ومحرجا”؛ قد يكون هذا واردا في بعض القضايا؛ ولكن وليسمح لي بالقول ان من يمر حقيقة بمأزق معتم ومحرج هو الدولة الأردنية، التي وجدت نفسها وجها لوجه امام المخططات الصهيونية الاستعمارية التوسعية المدعومة بإدارة أمريكية متصهينة حتى النخاع؛ فقد اكتشفت الدولة والشعب معا، ان الاستناد على العلاقات الأردنية الأمريكية التاريخية منذ الخمسينيات لم تكن لتحمي الاردن، أرضا ونظاما وشعبا من مخططات الصهاينة واطماعهم في وطننا الغالي.
هل هذا يستدعي من الدولة أن تراجع سياساتها واستراتيجيتها الداخلية والخارجية؟!؛ أزعم أنها مدعوة بشدة لإجراء مراجعات حرجة وعاجلة بهذا الخصوص!!.
الإخوان المسلمين ليسوا بحاجة عند كل أزمة داخلية يتم افتعالها من قِبل بعض الكتّاب المحسوبين على الدولة، ان يؤكدوا ولائهم للدولة وللدستور وقيادة البلد؛ بل يحق لنا أن نسأل وباعلى الصوت اؤلئك الذين ينفثون سمومهم لافتعال ازمات مع الاخوان تقربا من السلطة عن تاريخ بعضهم الذي كان يتآمر ويرفع السلاح بوجه الدولة ويسيء لقيادتها !!!
الإخوان، وبكل ثقة اقول؛ انهم لم يرفعوا السلاح يوما بوجه الدولة يوما ما ولم يسيئوا للهاشميين منذ زمن الأمير المؤسس رغم ما كان بينهم وبين الدولة من شد وجذب في لحظات تاريخية.
قصة رفع العلم الأردني أستاذنا الكبير ابو رفعت في مسيرات الاخوان؛ تفندها عشرات الصور التي تؤكد أن العلم الأردني كان حاضرا دوما في مسيراتهم وفعالياتهم المناصرة لفلسطين والمدافعة عن الأردن.
ولكن أستاذنا الكبير؛ لماذا لا يسأل احد: أين هي بقية الاحزاب، وبالذات الأحزاب المحسوبة على الدولة؟؟!!، لماذا اختفت فجأة ولم نعد نسمع لها حسيساً، سوى في بيانات خجولة موسمية، قد لا يقرأها سوى من كتبها ؟؟!!.
من الذي تغير… الإخوان ام الدولة ؟؟!!
أزعم أستاذنا الكبير ابو رفعت، ان كلا الطرفين تغير لأسباب موضوعية، ولكن العبء الأكبر واللوم الأعظم يكون على الدولة في تغيير علاقتها بالاخوان، لأسباب عدة:
– الدولة هي الحاضنة لجميع الاردنيين على كافة مكوناتهم السياسية والفكرية؛ ولا يجوز، بل لا يحق لها أن تنحاز لطرف دون الآخر، فالجميع اردنييون موالاة ومعارضة، والمعارضة الوطنية الملتزمة بالدستور هي قوة للدولة لا عبء عليها او نِد لها.
– الدولة الأردنية تتعامل مع المعارضة وأبناء المعارضة – سواء الأحياء منهم او الأموات-، كملف أمني لا سياسي، وما ينتج عنها من احتقان وتشنج لا مبرر له ينتقل من الآباء إلى الابناء والأحفاد، فلا يُعقل ان نلوم المعارضة السياسية في تشددها في بعض المواقف السياسية وننسى من دفعها لهذا التشدد من أطراف في الدولة !!!.
– كرّمت الدولة المئات من أبناء الأردن في مئوية الدولة الأردنية، فهل سمعت انها كرمت قيادات اخوانية كانت لها بصمات في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية في المئوية الاولى ، ألا يستحق التكريم مثلا ( مع حفظ الالقاب ) عبداللطيف ابو قورة ومحمد عبدالرحمن خليفة ويوسف العظم ود. أحمد الكوفحي ود. عبدالله العكايلة ود. علي الحوامدة ود. قنديل شاكر وزياد ابو غنيمة ود. احمد نوفل وطارق التل وطارق الطباع وغيرهم من القيادات والشخصيات الاخوانية الوطنية الذين كان لهم بصمات في كثير من المواقع السياسية والاكاديمية والنقابية.
اما ما تحدثت به أستاذنا الكبير ابو رفعت عن ” قسوة دائرة المخابرات العامة مع الاخوان”، فهي قسوة غير مبررة في نظري، وينبغي لها أن تتحول من قسوة في التعامل إلى حوار حقيقي وجاد معهم بخصوص دورهم المأمول في دعم مواقف الدولة في العديد من القضايا السياسية الداخلية والخارجية، يأخذوا منهم ما يدعم مواقف الدولة وينظروا بايجابية لما يختلفون به معهم ما دامت المصلحة العليا للدولة هي ما يسعى له الجميع، ليستمعوا لهم وجها لوجه بدلا من ” الحمام الزاجل” الذي يستخدموه لإيصال رسائلهم للإخوان.
ينبغي للدولة ألا تفكر دوما بأنها على صواب وان رأي غيرها خطأ، عندما يفكر الجميع على قاعدة ” رأيي صواب ويحتمل الخطأ، وراي غيري صواب ويحتمل الخطأ”؛ هنا نستطيع أن نقول ان العقول المنفتحة والحوار المنتج هو الطريق الأقرب للوصول لنقطة التفاهم والبناء عليه.
لا أقبل شخصيا لغة التحدي للدولة من اي جهة كانت، إخوانا او غير إخوان، فكلنا تحت سقف الدولة والدستور والقانون، ولكني بنفس الوقت اقول بصوت عالي: لا يجوز للدولة ان تضع كل امكانياتها واجهزتها وإعلامها في مواجهة تيار سياسي عريض، في البرلمان والنقابات والاتحادات الطلابية ومؤسسات المجتمع المدني، هذا التيار وأنصاره اثبت على الدوام ان مصلحة الوطن واستقرار النظام السياسي تتقدم على اي تنظيم او جماعة سياسية.
اما سؤالك الأخير في مقالك أستاذنا الكبير ابو رفعت ” هل تزعجكم تصرفات الدائرة “؛ واجيبك بصفة شخصية وليس نيابة عن احد؛ نعم تزعجني، وبشدّة، لأنها باختصار؛ تُصنّف الناس، هذا معنا وهذا ضدنا، مع اننا جميعا مع الوطن وقيادته وامنه واستقراره؛ ولا يعني أبدا إن اختلفنا مع واحدة من سياسات الدولة اننا اعداء لها، ولا أقبل شخصيا من اي مسؤول في الدولة كان سياسيا او أمنيا ان يضعني او يضع احد من اشقائي في مثل هذا التصنيف المرفوض، ويحرم شقيقي من موقع مستحق في الدولة لمجرد اننا ابناء احد قيادات الاخوان، ولا نجد احدا لينصفه مع ان القضية وصلت لأعلى المستويات في الدولة.
وختاما اقول،،
مما قراته وعاصرته، فإن الإخوان المسلمين في الاردن كانوا حريصين على وطنهم رغم كل المضايقات والاستفزازات ومحاولات شق الجماعة التي مارستها الدولة واجهزتها؛ حفاظاً على استقرار الوطن واستمراراً لنهج الجماعة في المعارضة الوطنية المتزنة غير الصدامية؛ التي تاخذ بعين الإعتبار ان استقرار الوطن أهم من مصلحتهم كجماعة وتنظيم.
نحن في خندق واحد في وطننا الحبيب، حكاما ومحكومين؛ وامن واستقرار الوطن وحمايته يتطلب من الجميع ان يكونوا على قلب رجل واحد خلف دولتنا وقيادتها وجيشنا العربي المصطفوي وشعبنا الأردني العظيم.