وطنٌ بلا مواطنين:فرضيةٌ في المراحلِ الأخيرةِ من اثباتها أو تثبيتها

25 مارس 2025
وطنٌ بلا مواطنين:فرضيةٌ في المراحلِ الأخيرةِ من اثباتها أو تثبيتها
د. عادل يعقوب الشمايله
العربُ لا يقرأون. وإن قرأوا لا يفتهمون ولا يفقهون. وفي حالِ فهموا يتغافلون ويضعونَ رؤوسهم في الرمال كالانعام.  ومن اصدقُ من الله قيلا:  ًهو الذي بعث في الأميينَ رسولا منهم …يعلمهم الكتابَ والحكمةَ وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين” 
ولكنَّ الأميينَ لم يتعلموا: لا الكتابَ، ولا الحكمةَ، واستمروا في أُميتهم لأنهم استمرأوا  الضلالَ المبين.
توجهُ الرئيسِ الامريكي الصهيوني ترامب لإجلاءِ  سكان قطاع غزةَ الذي  يُتَرجمُ مخططات إسرائيلَ القديمةَ، بل مخططات من أنشأ اسرائيل قبل قرار الامم المتحدة الذي صادقَ على مؤامرةِ تأسيسها بثلاثين عاما. فالمخططات بدأت منذُ  اعلان وعد بلفور قبل اكثر من ١٠٨ اعوام.
لذلكَ،  لا يجوزُ للعربِ ولا للفلسطينيين الادعاءَ بأنَّ قرارَ الإخلاءِ والتفريغ  مفاجئٌ لأنَّ هكذا ادعاء هو بمثابة فاجعة بكلِ ما تعنيهِ هذهِ الكلمة. 
لقد  صُممَ وبُني  وعدُ بلفور على منطقِ:  اعطاء ارضٍ بلا شعب لشعبٍ بلا ارض.
إذاً: فالفرضيةُ عند مُعدِّي  ومُصْدري  ومُتبَني وعدِ بلفور  هي بكل بوضوح وشفافية وصراحة انَّ الارض التي  اقتطعوها من خارطة بلاد الشام  ورسموا جغرافيتها واعتبروها كياناً منفصلاً أسموه “فلسطين”  هي ارضٌ فارغةٌ (تقريبا). مع أنّ هذهِ البقعةَ كانت مشغولةً ومعمورةً كبقيةِ اجزاء بلا الشام. بل كانت مشغولةً ومعمورةً اكثر من غيرها لمشاطئتها للبحر الابيض الذي كان ولا زال مركز التجارة العالمية، وكانت ايضا الجسر بين كيان بلاد الشام ومصر وافريقيا.
كانَ  من الواضحِ والفاضحِ أنَّ وعدَ بلفور قد هَمَّشَ  سكان الكيان الذي صنعهُ سايكس بيكو  لدرجةِ أنهُ لم يسمهم شعبا، ولم يُعَرِّفْ انتمائهم العرقي او الديني او الوطني.  فلم يقل أنهم عرب او فلسطينيون او مسلمون.  بل  سماهم (طوائف غير يهوديه) أي بلا هوية. مما يعني أن الاصل  في الوجود والسكن في فلسطين هو لليهود. أمَّا غيرَ اليهود  فهم استثناءٌ ونافلةٌ ومجهولي النسب. هذا التهميش قارَب مرحلة انكار وجودهم. 
وبناءاً على ذلكَ، انكرَ الوعدُ أيَّ حقوقٍ سياديةٍ وسياسيةٍ لمن وصفهم بأنهم طوائف، واكتفى بأن وعدهم  بحقوقَ دينيةٍ ومدنيةٍ وهذا هو اقصى ما يمكن ان تحصل عليه الطوائف خاصةً الغريبةَ الوافدةَ المقيمةَ بصورة غير شرعية. إنَّ تجربدَ  الفلسطينيين او العرب في فلسطين من وصف شعب كان تجريدا لهم من هويتهم الوطنية والقومية، بل من أيِّ هوية، تمهيداً  لإنكارِ أيِّ حقوقٍ سياسية وسيادية لهم. 
بالنتيجة،  فإنَّ إمكانيةَ  حصولِ الفلسطينيين على حق اقامة دولةٍ لم تكن واردةً في ذهنِ بلفور والحكومة البريطانية من الاصل وبصورةِ متعمدة. 
وطالما أنَّ الفلسطينيين قد جُردوا بموجب وعد بلفور من الحقوق السياسية والسيادية وحقوق الملكيةِ،  وأنهم مجردَ طوائفَ بلا شخصيةٍ اعتباريةٍ مُعَرَفةً،  فأنَّ  حق الوجود  اصبحَ غيرَ  مُسلّمٍ به وغيرَ معترفٍ به. 
فرضيةُ عدم وجود شعب عربي في فلسطين حرصت بريطانيا على تأكيدها طيلةَ فترة سيطرتها على فلسطين. وقد تكللت سياساتها وممارساتها  باعلان دولة اسرائيل عام ١٩٤٨ . لقد أخَلَّتْ  بريطانيا بواجبها  بحماية سكان فلسطين حسب قرار الانتداب، وتغاضت عن ارتكاب اليهود  للعديد من الجرائم والمذابح  لاجبار من سمتهم “طوائفَ”  على افراغها. ومكنت  اليهودَ  من السيطرةِ على معظم اراضي فلسطين وترحيل اهلها تنفيذاً لروحِ وعد بلفور قبلَ نصه. 
وهذا هو النص الكامل لوعد بلفور كما جاء في الرسالة الرسمية بتاريخ 2 نوفمبر 1917:
وزارة الخارجية
2 نوفمبر 1917
عزيزي اللورد روتشيلد،
يسرني جدًا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على التطلعات اليهودية الصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته:
“تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، (وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية)، على أن يُفهم جليًا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من (الحقوق المدنية والدينية) (للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين)، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”
سأكون ممتنًا لو وضعتم هذا التصريح في علم الاتحاد الصهيوني.
المخلص،
                                   آرثر جيمس بلفور
ما يجري في غزة والضفة الغربية هو مجردُ  حلقةٍ في سلسلةٍ لن تتوقف حتى تفرغ فلسطين تماما من سكانها.  نحنُ نحضرُ المشاهد الختامية من مسرحيات “الحدود”، “كأسك يا وطن” و “غربه” بطولة  بلفور. آسف بطولة دريد لحام.
لا زالت الدولتان الصديقتان الصادقتان بريطانيا وفرنسا اللتان صممتا ” اتفاقية سايكس بيكو” تبادران وتشاركان في ردع كل من يحاول المساس بالكيان الصهيوني او بالاحرى بوعد بلفور