الاطار العام لمصطلح ممر داوود وخلفياته وابعاده ومبرراته

22 مارس 2025
الاطار العام لمصطلح ممر داوود وخلفياته وابعاده ومبرراته

وطنا اليوم_بقلم د. عادل يعقوب الشمايله

تختلف تفسيرات ممر داوود بحسب السياق الذي يُذكر فيه ومقاصده:

-اولا: السياق الديني: وفقًا للمعتقدات التوراتية

ورد النص التالي في الكتاب المقدس، سفر التكوين 15:18 (حسب ترجمة الفاندايك):

“فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ.”

هذا النص يستندُ إليه بعض اليهود في المطالبة بمناطق واسعة تشمل فلسطين وأجزاء من مصر وسوريا والعراق.

  وحسب الرواية التوراتية التي يؤيدها القرآن الكريم، قاد النبي موسى بني إسرائيل متوجهاً بأمرٍ من الله الى “الأرض الموعودة التي وهبها الله لابراهيم هربا من استعباد فرعون لبني اسرائيل الذين سبق وأن قدموا اليها عندما طلب النبي يوسف من والديه واخوته ترك بادية فلسطين والاقامة معه في مصر.

وقد حددت الروايات التوراتية الارض الموعودة بأنها ما شملته مملكة داوود وابنه سليمان وهي فلسطين، الأردن، لبنان جنوب نهر الليطاني، وحوض اليرموك في سوريا وصولا حتى نهر الفرات

ومن الجدير بالذكر أن القرآن قد عرَّف وحدد الارض التي وهبها لابراهيم

حسب ما ورد في سورة الاعراف آية ١٣٧.

وأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ

-تعددت تأويلات المفسرين لنص الاية القرآنية. 

قال أبو جعفر: “وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم مشارق الأرض الشأم, وذلك ما يلي الشرق منها ومغاربها التي باركنا فيها 

 حدثنا ابن وكيع( 15043) قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن إسرائيل , عن فرات القزاز, عن الحسن في قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها)، قال: الشأم.

من فرائد تفسير ابن عاشور في قوله تعالى { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } 

– و {الأرض} أرض الشام وهي الأرض المقدسة وهي تبتدىء من السواحل الشرقية الشمالية للبحر الأحمر وتنتهي إلى سواحل بحر الروم وهو البحر المتوسط وإلى حدود العراق وحدود بلاد العرب وحدود بلاد الترك. المصدر: اسلام وب.

-اما ابو الفخر الرازي فقد اورد في كتابه التفسير الكبير ما يلي: واختلفوا في معنى ( مشارق الأرض ومغاربها ) فبعضهم حمله على مشارق أرض الشام ومصر ومغاربها ؛ لأنها هي التي كانت تحت تصرف فرعون لعنه الله ، وأيضا قوله : ( التي باركنا فيها ) المراد باركنا فيها بالخصب وسعة الأرزاق ، وذلك لا يليق إلا بأرض الشام. (اسلام وب).

في رأيي: ان تأويلات المفسرين المذكورة اعلاه وما شابهها كانت خاطئة تماما. حيث أنني ارى ان المقصود بمشارق الارض هي ارض الكنعانيين التي اصبحت فيما بعد مملكتي اسرائيل ويهوذا (الضفة الغربية حالياً). اما المقصود “ومغاربها” فهي منطقة الساحل الذي كان تحت سيطرة الفلسطينيين الذين قدموا بحرا من جزيرة كريت قبل مجئ اليهود بمئات السنين. حيث جرت حروب دامية بين بني اسرائيل والفلسطينيين ثم انتصر عليهم داوود. 

-يطلق الصهاينة على المنطقة المطموع بالاستيلاء عليها: “ارث داوود”. وتبين التوراة مصدر اهمية هذا الممر كون داوود الذي كان قائدا لجيش الملك شاول وفي نفس الوقت زوج ابنته قد اصبحت حياتهُ مهددةً من والد زوجته الملك شاول الذي حاول اغتياله عدة مرات لأنه اصبح اكثر شهرة اكثر من الملك بعد أن قتل داوود جالوت بالمقلاع، وانتصارات داوود على الفلسطينيين. لذلك هرب داوود وظل مطاردا يتنقل بين المناطق القريبة من المدينة التي اصبحت فيما بعد تسمى مدينة داوود في القدس، وهي منطقة أثرية تحتوي على بقايا تعود لفترة حكمه لاحقاً وبين الكهوف والمناطق الجبلية في يهودا وصحراء النقب. المصدر: كتاب صموئيل الاول من الكتاب المقدس.

وكذلك لفترة هرب داوود مرة ثانيةً بعد أن اصبح ملكا لمملكة يهودا خوفا على حياته بعد أن انقلب عليه ابنه شاؤول. فاضطر داوود للهرب من ابنه الى شرق نهر الاردن. المصدر: كتاب صموئيل الثاني من الكتاب المقدس.

ثانيا: الاستخدام التوسعي العدواني لمصطلح ممر داوود من قبل اليمين المتطرف الاسرائيلي:

   لا يقتصر تفسير اليمين الصهيوني لممر داوود على ممر جغرافي أو طريق محدد، بل إلى منطقة نفوذ وتوسع إقليمي زاعمين أن الأراضي من اليرموك جنوب سوريا إلى سيناء هي جزء من “حق اليهود التاريخي استناداً إلى تفسيراتهم التوراتية لفكرة أرض إسرائيل الكبرى

 هذه الروايات التوراتية يستغلها المتطرفون كمسوغ للتوسع والاستيلاء على الاراضي العربية في فلسطين بدءاً من الضفة الغربية الى ما يجاورها خاصة الضفة الشرقية “الاردن”٠ 

بل إن البجاحة والعدوانية المستندة الى الدعم والتغطية الامريكية وتدهور حالة الدول العربية عسكريا وسياسيا واقتصاديا زادت من جرأة اسرائيل الى التوسع في الجنوب السوري وحظر دخول الجيش السوري اليه، الى جانب تدمير قدراته العسكرية وسعيه لاستمالة الدروز لإحكام القبضة على درعا والسويداء حيث حوض اليرموك والسهول الزراعية الخصبة. 

. ثالثا: مدى وجود أدلة تاريخية حقيقية على هذا 

المفهوم؟

تتصاعد المهاترات التوراتية على السنة مجرمي الحرب الصهاينة رغم ما يحيط بكتابة التوراة من شكوك عميقة حول من كتبها وتاريخ كتابتها وافتقارها لأدنى مستويات التوثيق والتأصيل التاريخي المقارن.

 فمن الثابت انه لا يوجد لحد الان أي دليل أثري أو تاريخي 

محايد يدعم فكرة أن مملكة داوود امتدت إلى هذه المناطق.

حيث أن العديد من علماء الآثار يعتبرون مملكة داوود كيانًا صغيرًا أُقيم في تلال يهوذا، وليس إمبراطورية مترامية الأطراف.

 كما أنه لا توجد نقوش أو وثائق معاصرة لها من الحضارات المجاورة (مثل الفراعنة، الآشوريين، البابليين) تشير إلى أن داوود أو سليمان سيطرا على هذه المناطق.

رابعاً: البعد السياسي والاستراتيجي 

 على الرغم من أن هذه الأفكار لا تعكس السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية، إلا أن بعض السياسيين في اليمين المتطرف يتبنونها ويدافعون عنها علنًا.

 فبعض الجماعات الصهيونية ترى أن حدود إسرائيل يجب أن تشمل الأردن، جنوب لبنان، وأجزاء من سوريا، وهذا يتماشى مع أفكار “إسرائيل الكبرى” التي تبنتها بعض الحركات القومية اليهودية