فادي السمردلي يكتب: غياب الحكمة في الاحزاب سقوط وإنهيار!

منذ 38 ثانية
فادي السمردلي يكتب: غياب الحكمة في الاحزاب سقوط وإنهيار!

السمردلي يكتب: 
 الحكمة في الأحزاب والعمل الحزبي ليست ترفًا ولا مجرد مهارة إضافية، بل هي العمود الفقري الذي يحدد مصير الحزب بين الاستمرار القوي أو الانهيار التدريجي إنها القدرة على إدارة المصالح والتناقضات بذكاء، على قراءة المشهد السياسي بواقعية، وعلى اتخاذ قرارات متوازنة تحقق المكاسب دون التضحية بالمبادئ فالحزب ذو الرؤية الحكيمة هو الذي يدرك أن السياسة ليست ساحة استعراض ولا معركة كسر عظم، بل هي فن تحقيق الممكن في ظل المعطيات المتاحة إنه الحزب الذي يعرف متى يواجه ومتى يناور، متى يتقدم ومتى يتراجع تكتيكيًا ليعود أقوى أما الأحزاب التي تفقد الحكمة، فهي كالسفن التي تبحر بلا بوصلة، تتخبط في أمواج السياسة حتى تتحطم أو تُبتلع.

أحد أهم مظاهر الحكمة في العمل الحزبي هو القدرة على إدارة الخلافات الداخلية بذكاء، دون أن تتحول إلى صراعات تضعف الحزب من الداخل فالأحزاب التي تفتقر إلى الحكمة تتحول سريعًا إلى ساحات نزاع بين الأجنحة المتصارعة، وتصبح القيادة فيها قائمة على تصفية الحسابات لا على تحقيق الأهداف وعندما تسيطر الحسابات الشخصية والانفعالات على العمل الحزبي، يصبح الحزب مهددًا بالتفكك أو التحول إلى مجرد أداة بيد قوى أخرى، تفقده استقلاليته وقدرته على التأثير فالقائد الحزبي الحكيم لا يترك الخلافات تتفاقم حتى تتحول إلى معاول هدم، بل يديرها بحنكة، فيعرف متى يحتويها ومتى يحسمها، دون أن يسمح لها بأن تبتلع الحزب كله.

أما في التعامل مع الخصوم السياسيين، فالحزب الحكيم لا يجعل السياسة مسألة ثأرية، ولا ينجرف خلف المعارك الجانبية التي تستنزف طاقته بلا طائل ويعرف أن السياسة هي مزيج من الصراع والتعاون، وأن العداء المطلق موقف غبي لا يخدم سوى من يسعى لإضعاف الحزب لذلك، يبني تحالفاته على أسس استراتيجية وليس وفق ردود أفعال لحظية أما الأحزاب التي تفقد الحكمة، فتدخل في مواجهات غير محسوبة، وتحرق كل الجسور، لتجد نفسها في النهاية معزولة، عاجزة عن التأثير، تكتفي بالصراخ على الهامش بينما تُصنع القرارات في أماكن أخرى.

الحكمة في العمل الحزبي تعني أيضًا الواقعية في الطموحات والبرامج فالحزب الذي يعد بما لا يستطيع تحقيقه، أو الذي يرفع شعارات شعبوية دون رؤية تنفيذية، لا يكسب سوى لحظة من التصفيق يعقبها سنوات من الخيبة فالناس قد تنخدع بالكلام الكبير لفترة، لكنها سرعان ما تكتشف الحقيقة ، وعندها تفقد الثقة في الحزب تمامًا أما الحزب الحكيم، فهو الذي يبني خطابه على أساس واقعي، يطرح حلولًا ممكنة، ويقدم وعودًا قابلة للتحقيق، ليكسب ثقة الناس بإنجازاته، وليس بأوهام زائفة سرعان ما تنهار.

ولكن ماذا يحدث عندما تفقد الأحزاب الحكمة؟ ببساطة، تبدأ مرحلة الانحدار التي قد تكون بطيئة ولكنها حتمية فالقرار العشوائي، التسرع في اتخاذ المواقف، العجز عن احتواء الأزمات، الوقوع في فخاخ الخصوم، الفشل في قراءة الواقع، كلها علامات لحزب يسير نحو الهاوية فالحزب الذي لا يمتلك حكمة في إدارته يتحول إلى كيان متآكل، يفقد أعضاءه تدريجيًا، يفقد جمهوره، ثم يصبح مجرد ذكرى سوداء قاتمة في كتب التاريخ، بعد أن يتجاوزه الزمن وتطحنه حقائق السياسة التي لا ترحم الضعفاء ولا تعترف بالأغبياء.

في النهاية، الحكمة ليست مجرد فضيلة، بل هي سلاح البقاء في عالم السياسة فالأحزاب التي تمتلكها تفرض وجودها وتصنع مستقبلها، أما التي تفقدها، فلا تنتظر سوى السقوط المحتوم