الأسطوانات البلاستيكية ما لها وما عليها

منذ دقيقتان
الأسطوانات البلاستيكية ما لها وما عليها

بقلم المهندس مدحت الخطيب
خبير دولي ومحلي في فحص المواد اللاإتلافية

الإنسان بطبيعته الفطرية والتكوينية يبتعد قدر الإمكان عن التغيير ويميل إلى السكون والنمطية والتكرار في الحياة، فهو بطبعه لا يقبل الجاهز ويقاوم التغيير ، ومن هنا تجد في كل مراحل الحياة مقاومة لأي تغيير حتى وإن كان فيه بوادر إيجابية، «فثقافة التغيير» ممنهجة وهي ذات رؤية استشرافية للمستقبل، لأنها لم تخرج من إطار السلوك الارتجالي والاندفاع العاطفي أو المالي، في حين أن التغيير الفعلي في حقيقة الأمر، هو خطة استراتيجية مدروسة ذات بعد فكري قبل أن تكون مجرد رد فعل لظرف أو ضغط ما

من يخوضون عملية التغيير، يدركون ما يحمله من علاقات متوازنة وفعالة بين الإنسان وبيئته بشرط أن ترسم له قاعدة علمية ومنطقية لا تحمل في طياتها الشك أو الانتكاس، ويكون عنوانها الأكبر التطوير والراحة بعيدا عن المآرب الذاتية أو المصالح التي قد تدر أرباحا على من يقوم بالتغيير أو يشرع ويقونن له، ومن هنا وفي كل دول العالم المتقدمة عندما تريد ان تغير في قانون ما أو تستحدث تشريعا أو تدخل منتجا جديداً أو فكرة مهما صغر أو كبر حجمها ، تسند الأمر إلى أهل الاختصاص وهم بالغالب من أبناء الشعب لهم وزن علمي وثقافي ويتحلون بأعلى درجات الأمانة والمصداقية.

كتبت ذلك كمقدمة لأننا ومنذ عام 2019 ونحن نتحدث عن الأسطوانات البلاستيكية وأقولها وبكل أسف أن الأمر منذ يومه الأول لم يسند إلى أهل الاختصاص للشرح والتوضيح وإقناع الشارع بل مال الميل كله للأخذ والرد فكان الانطباع العام عند المواطن البسيط أنها صفقة يراد منها تنفيع شركة استقطبت الأسطوانات..

زاد الطين بلة أن موضوع الأسطوانات المركبة أو ما يطلق عليها البلاستيكية كانت حديث الشارع في ذلك الوقت وعشنا أجواء التشكيك حتى صدر القرار بإغلاق الملف دون ذكر للسبب ولا المسببات في التراجع عن إدراجها في السوق…

اليوم عُدنا إلى المربع الأول فقبل أيام صدر قرار جديد اعتمدت فيه هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، إدخال أسطوانات الغاز البلاستيكية إلى السوق المحلية لتكون متاحة للمواطنين إلى جانب الأسطوانة الحديدية التقليدية ، فعاد الحديث والتحليل ، وَفُتح المجال على مصراعيه للإشاعات والأقاويل وخصوصا ان ما رشح من القرار لا يتحدث عن الجوانب الفنية ولا التقنية في التصنيع والتي تُعتبر عامل الأمان والأهم عند الاستخدام ليتقبلها الشارع دون خوف أو شكوك..

يوم أمسِ تابعت كباقي الأردنيين برنامج صوت المملكة وعلى الرغْم من ذكاء الإعلامي عامر الرجوب في الحديث وطرح الأسئلة إلا ان الإجابات من الضيوف الكرام لم تجب على ذلك ولم تعطنا الطمأنينة لنخرج من دوامة الخوف ونقطع الشك بالقيين أنها مطابقة للمواصفات العالمية وآمنة، لم نسمع أحدا من الحضور يتحدث بالتفصيل عن المراحل الفنية التي خضعت لها والفحوصات الدقيقة التي أجريت عليها وما هي سجلات تجارب الآخرين من الدول في استخدامها ، للأسف كانت معظم الإجابات بالعموم وهنا أقول كمختص وخبير في فحص المواد اللاإتلافية (NDT) منذ عشرين عاما، لا يوجد في علم المواد والمعادن منطقة رمادية في الإجابات ولا نعتمد التعميم في الطرح، سمعنا ان 7 فحوص تمت داخل الأردن على الأسطوانة ولكن لم نعرف ما هي وما أهميتها وماذا كانت النتائج، سمعنا ان فحوصا أخرى أجريت خارج الأردن ولم نزود كاهل اختصاص بما هي الفحوص التي تمت وما هي الجهة التي قامت بذلك وهل لها اعتمادية دولية في هذا الأمر أم لا ففي هذا المجال هنالك سُلطات ومواصفات يجب الالتزام فيها حرفيا حتى يتم الاعتماد.

للأسف لم نسمع إلا أن الأسطوانة ستكون بنفس السعر ، وأن وزنها سيكون أقل، ولونها الشفاف سيسمح بمشاهدة الغاز ، وأنها تتحمل درجات حرارة تتراوح بين (40 تحت الصفر) ولغاية (65) درجة إلى جلدة لمنع التسرب
في الختام أقول لكيلا يفهم كلامي على غير ما أريد ولا يكون مقالي بابا من أبواب النقد أو التخويف فأنا مع التغيير والتحديث والبعد عن التعقيدات والمعوقات فالعالم تطور في كل شيء وأصبحت الحياة أسهل في كثير من الأمور وليس بالضرورة ان كل شيء قديم هو الأفضل والأكثر أمانا، لذلك كان من الأفضل على الجهات ذات العَلاقة أن تنطلق من هذا الباب باب الإقناع العلمي والعملي وما رشح من تجارب الآخرين فالشارع يسمع لصوت العلم والخبرة والمعرفة ولا يسمع سواهم في هكذا أمور فنحن نتحدث عن شريك يجالسنا في البيت طوال العمر