كتب الدكتور محمد الهواوشة :
في لقاء سياسي بالغ الأهمية، اجتمع الملك عبد الله الثاني بن الحسين، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، لا سيما العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة. اللقاء لم يكن مجرد اجتماع دبلوماسي، بل كان مواجهة بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل المنطقة، حيث حاول ترامب فرض أجندة أمريكية تصب في مصلحة إسرائيل، بينما وقف الملك عبد الله الثاني ثابتا على موقفه الرافض لأي حل يأتي على حساب الفلسطينيين أو الأردن.
الرسائل الملكية: الأردن لن يكون طرفا في أي مخطط لتهجير الفلسطينيين
منذ اللحظة الأولى للقاء، أكد الملك عبد الله الثاني أن الأردن يرفض بشكل قاطع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة، سواء إلى أراضيه أو إلى أي دولة أخرى. هذه الرسالة العلنية تحمل في طياتها أبعادا أعمق :
1. إسقاط مشروع الوطن البديل نهائيا.
لطالما حاولت بعض القوى الدولية تصفية القضية الفلسطينية عبر توطين الفلسطينيين في الدول المجاورة، وخاصة الأردن، لكن الموقف الملكي الحازم جاء ليؤكد أن هذا السيناريو غير قابل للنقاش، وأن الأردن لن يكون جزءا من أي مخطط يستهدف حقوق الفلسطينيين.
2. رفض الوصاية الأمريكية على غزة.
ترامب طرح رؤية لإعادة إعمار غزة تحت إشراف أمريكي، في خطوة تهدف إلى تحويل القطاع إلى منطقة تحت الهيمنة الغربية بدلا من كونه جزءا من الأرض الفلسطينية المحتلة. الرد الأردني كان واضحا أي حل لا يضمن حقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة هو مرفوض تماما.
3. رسالة للدول العربية لا مجال للمساومة.
قراءة ما بين السطور تكشف أن الملك عبد الله الثاني لم يوجه رسالته إلى واشنطن فقط، بل أيضا إلى بعض الدول العربية التي قد تتعرض لضغوط للقبول بمشاريع تصب في مصلحة إسرائيل. الأردن يؤكد أن التماسك العربي هو السلاح الأقوى في مواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية.
ترامب سياسة الأمر الواقع بدلا من العدالة
كرئيس للولايات المتحدة، يسعى ترامب لفرض واقع جديد يخدم إسرائيل دون النظر إلى العواقب السياسية والأمنية على الدول العربية. طرحه حول غزة يكشف عدة نقاط جوهرية:
١- استكمال صفقة القرن رغم إسقاطها رسميا، إلا أن بعض بنودها لا تزال تظهر في سياسات ترامب، ومنها فكرة التخلص من القضية الفلسطينية عبر حلول شكلية تكرس الاحتلال.
٢- استثمار سياسي لصالح إسرائيل. ترامب يراهن على دعم اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي عبر تقديم مشاريع تخدم إسرائيل بشكل مباشر، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة.
٣- تجاهل الشرعية الدولية بدلا من البحث عن حل عادل، يحاول ترامب فرض حلول تخدم مصالح إسرائيل دون الاكتراث بالقانون الدولي أو حقوق الفلسطينيين.
ما وراء اللقاء هل الأردن وحده في المواجهة
هذا اللقاء يكشف أن واشنطن تمارس ضغوطا مكثفة على الدول العربية لإيجاد مخرج لأزمة غزة يخدم الاحتلال. ولكن، هل الأردن وحده في هذه المواجهة ؟
واشنطن تريد حلا يخدم إسرائيل فقط!! الموقف الأمريكي لم يتغير، بل أصبح أكثر وضوحا مع عودة ترامب، حيث يتمثل الهدف الرئيسي في إنهاء القضية الفلسطينية بطرق لا تتطلب تقديم أي تنازلات إسرائيلية.
الأردن يواجه ضغوطا لكنه ثابت رغم الضغوط السياسية والاقتصادية، يثبت الأردن مرة أخرى أنه ليس مجرد تابع للسياسات الأمريكية، بل لاعب رئيسي يدافع عن حقوق الفلسطينيين.
الدول العربية أمام اختبار حقيقي هل ستتماسك الدول العربية خلف الموقف الأردني، أم أن بعضها قد يخضع للضغوط الأمريكية ويفتح الباب أمام مشاريع تصفية القضية الفلسطينية ؟!.
ختاما الأردن في موقف القيادة
لقاء الملك عبد الله الثاني وترامب لم يكن مجرد اجتماع رسمي، بل كان مواجهة سياسية أكدت أن الأردن ليس دولة يمكن فرض الإملاءات عليها، بل طرف أساسي في معادلة الشرق الأوسط. الموقف الأردني الواضح والصريح يمثل حجر الأساس في التصدي لأي محاولات لفرض حلول غير عادلة، ويؤكد أن القضية الفلسطينية لن تموت مهما حاولت القوى الكبرى التلاعب بمصيرها.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم إلى متى سيستمر الأردن في حمل هذا العبء وحده، وأين مواقف الدول العربية الأخرى؟؟