وطنا اليوم:يعيش مزارعو وادي الأردن أوقاتا صعبة مع تدني أسعار بيع الخضار لما دون الكلفة، حيث ذهبت آمالهم في عودة القطاع إلى سابق عهده، أدراج الرياح، في ظل استمرار المعوقات التي تحول دون انسياب المنتوجات إلى الأسواق الخارجية، الأمر الذي شكل ضربة قاصمة للمزارعين الذين يجهدون بالاستمرار بالإنتاج والصمود رغم التحديات.
ورغم أن الإنتاج الخضري ما يزال أقل من المعدلات السنوية، إلا أن أسعار بيع الخضار في الأسواق المركزية شهدت، خلال الأيام الماضية، انخفاضا لجميع الأصناف إلى ما دون الكلفة، ما شكل خسائر فادحة للمزارعين.
ووفق المزارع نعيم السعد، فإن “تدني أسعار بيع جميع أصناف الخضار لأقل من الكلفة شكل صدمة للمزارعين الذين كانوا يأملون بتحسن أسعار البيع مع إعادة فتح السوق السورية”، موضحا “أن الزراعة في الوضع الحالي باتت غير مجدية لأن غالبية المزارعين يضطرون للدفع من جيبهم للوفاء بالتزاماتهم المادية كأجور العمال والنقل وكلف رعاية المحاصيل”.
وأضاف “أن استمرار الأوضاع الحالية يشكل انتكاسة كبيرة للقطاع الزراعي، فالمزارع مثقل بالديون وعدم توفر السيولة يحد من قدرته على مواصلة العمل والصمود”، موضحا “أن قلة من المزارعين يستطيعون تأمين أجور العمال لأن محلات الكمسيون لا تمدهم بالسيولة لأن معظم المبيعات خاسرة”.
ويصف السعد، المزارع بـ”المقامر الذي لا يستطيع الامتناع عن المقامرة في كل مرة يخسر فيها، على أمل أن يربح ولو لمرة واحدة، قائلا “ما يحدث الآن ينطبق على هذا الوصف لأن المزارع يواصل العمل والإنتاج رغم الخسائر على أمل أن تتحسن أسعار البيع”.
أسعار الخضار لا تغطي الكلف
أما المزارع محمد البلاونة، فيرى، من جهته “أن العملية الزراعية في وادي الأردن أصبحت غير مجدية ومكلفة في ظل الأوضاع الزراعية الصعبة”، مشيرا في الوقت ذاته، إلى “أن جميع أصناف الخضار تباع بأسعار زهيدة لا تغطي ثمن العبوات وأجور القطاف والنقل والرسوم”.
وقال البلاونة “إن مواصلة الإنتاج على أمل أن تتحسن الأوضاع التسويقية قد تجر المزارع إلى خسائر فادحة، لأن مواصلة العمل تتطلب العمل على تأمين كلف رعاية المحصول وكلف التسويق أو تأجيلها لحين انتهاء الموسم، وهو أمر سيحمله ديونا جديدة قد تقعده عن العمل بالقطاع”.
ومن وجهة نظر المزارع وليد الفقير، فإن “الاستمرار في العمل في ظل الأسعار الحالية سيزيد من خسائرهم التي يتوقع أن تزداد مع ارتفاع الإنتاج خلال الفترة المقبلة”، موضحا “أن عواقب تراجع الأسعار قد تكون غير محمودة لأن العديد من القطاعات تعتمد بشكل كلي أو جزئي على القطاع الزراعي كالمصانع والنقل وتجار المواد الزراعية والمشاتل والشركات والتجار والمصدرين، فضلا عن الانعكاسات المباشرة على الأوضاع الاقتصادية للمزارعين والعمال”.
إلى ذلك، يؤكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام “أن تدني أسعار البيع سينعكس سلبا على المزارع في وادي الأردن وصموده، رغم أن الإنتاج الحالي يشكل أقل من 50 % من الإنتاج الفعلي لوادي الأردن”، موضحا “أن استمرار هذا المسلسل سيؤدي إلى إفلاس بقية المزارعين الذين استطاعوا زراعة أراضيهم وإغراقهم بالديون”.
وأضاف “آمال المزارعين كانت معلقة على فتح الحدود السورية وتسهيل انسياب البضائع عبرها إلى دول تركيا وأوروبا ولبنان، إلا أن المؤشرات غير مريحة إلى الآن”، مشددا في الوقت ذاته على “ضرورة العمل بشكل عاجل لإعادة فتح الأسواق التصديرية والعمل على تذليل العقبات التي تحول دون انسياب المنتوجات الزراعية إلى الأسواق الخارجية والعمل على حل المشكلات العالقة، كارتفاع مستلزمات الإنتاج وأجور الأيدي العاملة”.
ويرى الخدام “أن الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها المزارع نتيجة الخسائر المتكررة ستؤثر بشكل كبير على ديمومة العمل بالقطاع الزراعي”، لافتا إلى “أن المزارع منذ أكثر من عقد يكابد من أجل البقاء والصمود في وجه التحديات لأنه لا يجيد سوى هذا العمل رغم المخاطر الكبيرة التي تعترض طريقه”.
وأبدى أمله في “أن تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لدعم المزارع ومساعدته على الاستمرار بالإنتاج”.
تراجع الطلب وزيادة العرض
من جهته، يقول مدير سوق العارضة المركزي المهندس أحمد الختالين “إنه ورغم أن كميات الخضار الواردة إلى السوق ما تزال قليلة؛ إذ تتراوح بين 400 و500 طن يوميا، إلا أن أسعار البيع ما تزال منخفضة”، عازيا ذلك إلى “تراجع الطلب على المنتوجات وعدم وجود حركة تصدير إلى الأسواق الخارجية”.
وأكد الختالين “أن الأسعار الحالية تباع بأقل من الكلف، ما يلحق بالمزارعين خسائر فادحة، ذلك أن سعر بيع صندوق الخيار يتراوح بين 2 و3.5 دينار والكوسا بمعدل 1.8 دينار للصندوق والباذنجان بمعدل دينارين للصندوق، والفلفل بنوعيه الحار والحلو بمعدل دينارين للصندوق، في حين تراجعت أسعار البندورة لتتراوح بين 0.8 و1.2 دينار للصندوق”.
ويصف المصدر ناصر الجعبري، أوضاع التصدير إلى السوق السورية بـ”غير المشجعة”، ذلك أن غالبية المصدرين يتكبدون خسائر مؤكدة في ظل فرض رسوم جمركية تقدر بحوالي 54 دولارا على الطن الواحد، عازيا انخفاض أسعار بيع الخضار دون الكلفة إلى “تراجع التصدير إلى الأسواق الخارجية وتراجع القدرة الشرائية للمواطن الأردني مصحوبا بزيادة العرض في السوق المحلية”.
من جانبه، بين رئيس جمعية اتحاد مصدري الخضار والفواكه سليمان الحياري “أن حجم الصادرات اليومية إلى السوق السورية تراجع بنسبة
70 % مع بدء فرض ضريبة على الصادرات الأردنية، قائلا “كانت صادراتنا مع عودة الحركة بين الجانبين قد وصلت إلى حوالي 18 برادا بواقع 600 طن يوميا، إلا أنها تراجعت بعد القرار لحوالي 6 برادات بواقع 200 طن يوميا”.
وأوضح الحياري “أن كلف نقل المنتوجات والضريبة التي تقدر بحوالي 1500 دولار على البراد تساوي ثمن البضاعة، الأمر الذي ضاعف من أسعار بيعها، ما يتسبب بخسائر كبيرة للمصدرين”، مؤكدا “أن الأوضاع الحالية أثرت بشكل كبير على أسعار بيع المنتوجات الزراعية في الأسواق المحلية التي انعكست على شكل خسائر على المزارعين”.
ومؤخرا، دعا اتحاد مزارعي وادي الأردن إلى إعلان حالة الجفاف على وقع مخاوف المزارعين هناك، من استمرار ضعف الموسم المطري وانعكاساته الخطيرة على الإنتاج الزراعي، موضحا أن أضرارا حصلت بالفعل، مع تزايد الكلف وانخفاض أسعار البيع نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وقلة الهطل المطري.
ووفق الخبير الزراعي المهندس عبد الكريم الشهاب، فإنه “منذ عقود طويلة لم نشهد مثل هذا الجفاف، ففي المواسم الماضية كانت نسب الهطول المطري أفضل بكثير مما هي عليه الآن”، مضيفا “أن غالبية المحاصيل الزراعية تضررت نتيجة انتشار الآفات الزراعية وارتفاع كلف مكافحتها وتناقص عمر الموسم الزراعي نتيجة نقص الري وانخفاض أسعار بيع المنتوجات لمستويات متدنية”.
وأضاف “أن تراجع الهطول المطري عادة ما يكون له تأثيرات طويلة المدى تتمثل الآثار في وصول مخزون السدود إلى مستويات حرجة، وتراجع طاقة المصادر المائية الإنتاجية وتملحها، خصوصا الآبار الجوفية التي تعد البديل الوحيد لمياه السدود”، مؤكدا في الوقت ذاته “أن مشكلة مياه الري باتت تشكل تحديا جديدا يضاف إلى التحديات التي يعانيها القطاع، وتنعكس سلبا بشكل كبير على المزارعين وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من نسب الفقر والبطالة المرتفعة”.
وأشار الشهاب إلى “أن نقص مياه الري سيزيد من حالة عدم الاستقرار والخوف التي يعيشها مزارعو وادي الأردن”، موضحا “أن الخطر الأكبر يكمن في عزوف المزارع عن زراعة أرضه، وبالتالي تراجع الإنتاج الزراعي، ما قد يهدد أمن الأردن الغذائي”.
يشار إلى أن مجلس الوزراء، كان قرر استكمال إجراءات تتعلق بتمويل مشروع دعم مصادر المياه في وادي الأردن، وذلك من خلال الموافقة على الاتفاقية بين الحكومة وبنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 24.3 مليون يورو.
ويهدف المشروع إلى تحسين إدارة الموارد المائية في وادي الأردن، من خلال إعادة تأهيل شبكات الري، وإنشاء ناقل مياه مغلق ليحل جزئيا محل قناة الملك عبد الله من أجل تقليل خسائر المياه، بالإضافة إلى إنشاء خزان لتخزين المياه؛ وذلك لتمكين سلطة وادي الأردن من إمداد المزارعين باحتياجاتهم من المياه في أوقات الجفاف ونقص المياه، وكذلك تقليل فاقد المياه.
وادي الأردن.. المزارعون أمام انتكاسة جديدة بعد تهاوي أسعار الخضار
![A Palestinian farmers harvest cauliflower at a field in the Jordan Valley in the Israeli-occupied West Bank on February 1, 2020, as they prepare to sell the produce in the Palestinian market following Defense Minister Naftali Bennett's announcement a halt to all agricultural produce imported from the West Bank into Israel. (Photo by JAAFAR ASHTIYEH / AFP)](/wp-content/uploads/cache/577777777777777777777777777777777-7ideylgq023ns8c09mmhhmrs2rfz66khi28eyrwkl0c.jpg)