وطنا اليوم:في العصر الرقمي الحالي، حيث باتت البيانات تسيطر على مختلف جوانب حياتنا اليومية، أصبح الحديث عن الخصوصية من أكثر القضايا المثيرة للجدل.
لاسيما أن الشركات الكبرى والمواقع الإلكترونية، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي، تجمع كميات ضخمة من البيانات الشخصية لمستخدميها، وتحللها بشكل مستمر لفهم سلوكياتهم وتحقيق أهداف تجارية أو سياسية.
وفيما يعكس هذا الاستخدام الواسع للبيانات تطورًا تكنولوجيًا هائلًا، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى احترام الخصوصية وحمايتها.
وفي السياق أوضح الخبير المصري محمد محسن رمضان، مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أن البيانات الشخصية تعد حاليا واحدة من أثمن الموارد. إذ تجمعها الشركات الكبرى مثل “غوغل”، “فيسبوك”، “أمازون” بشكل مستمر عبر الإنترنت.
كما لفت في تصريحات إلى أن هذه البيانات قد تشمل المعلومات الشخصية، سلوكيات التصفح، المشتريات عبر الإنترنت، وحتى التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي.
تحليل البيانات
وأضاف أنه من خلال تقنيات متطورة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، تقوم هذه الشركات بتحليل هذه البيانات لاستخلاص أنماط وسلوكيات معينة يمكن من خلالها بناء نماذج دقيقة تتنبأ بتوجهات المستخدمين المستقبلية.
كما كشف أنه من ضمن تلك السلوكيات على سبيل المثال تتبع الشركات حركة الماوس وتوقيت الضغط على الروابط في المواقع الإلكترونية لبناء ملف متكامل عن المستخدم، ما يتيح استهدافه بإعلانات مخصصة، ما يطرح تحديات ضخمة في مجال حماية الخصوصية.
إلى ذلك، أشار إلى أن المستخدمين يقدمون بياناتهم للمواقع والخدمات المختلفة طواعية من الناحية النظرية.
لكن الواقع يكشف أن العديد من الشركات لا توضح بشكل كافٍ كيفية استخدام تلك البيانات أو تقدم شفافية حقيقية للمستخدمين. وأكد الخبير المصري أنه في العديد من الحالات، يتم جمع البيانات دون علم كامل من المستخدم.
حماية البيانات الشخصية
كذلك أوضح أن انتهاك خصوصية المستخدمين لم يعد مقتصرًا على سرقة البيانات أو اختراق الحسابات الشخصية، بل يشمل أيضًا استهداف الأفراد بالإعلانات أو التلاعب بتوجهاتهم السياسية أو الاجتماعية عبر تحليل أنماط سلوكهم. وقال:” على سبيل المثال، أثبتت دراسات سابقة أن منصات مثل “فيسبوك” قد تكون استغلت بيانات المستخدمين في حملات سياسية دون إذنهم، ما يثير تساؤلات كبيرة حول الحدود الأخلاقية لاستخدام هذه البيانات”.
ولفت رمضان إلى أنه يجب أن يكون للمستخدمين دور أكبر في حماية بياناتهم الشخصية، فهم بحاجة إلى أن يكونوا أكثر وعيًا بحقوقهم في هذا المجال، مثل استخدام أدوات لحماية الخصوصية وتحديد الإعدادات الخاصة بالبيانات على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، رأى أنه “يجب على الشركات أن تتحمل مسؤولياتها في توفير الشفافية الكاملة حول كيفية جمع واستخدام بيانات المستخدمين”، لافتاً إلى أنه لم يتم التوصل إلى توازن دقيق بين استغلال البيانات في سبيل الابتكار وتحقيق المنافع التجارية من جهة، وحماية خصوصية الأفراد من جهة أخرى.
وختم مشددا على أن حماية الخصوصية ليست مجرد حق قانوني، بل جزء لا يتجزأ من مفهوم الإنسانية في العصر الرقمي.