د. محمد عبدالله القواسمة:
كنت ذات يوم في العيادات الخارجية في مستشفى الجامعة الأردنية. هالني كثرة الناس في أقسام العيادات المختلفة: العظام والقلب والأعصاب والكلى والمسالك البولية والأنف والأذن والحنجرة وغيرها، وتخيلت كأن عمان كلها تعاني من الأمراض. لكن ما لفت انتباهي كثرة المرضى من النساء في عيادة أمراض العظام وجراحتها.
جعلتني مشاهدة هذه الظاهرة أجازف بالحكم على أن المرأة تعاني هذه الأيام من وهن العظم أكثر مما يعاني الرجل. انطلاقًا من هذا الحكم غرقت في التفكير والتساؤل عن السبب.
بالتأكيد لا نستطيع أن نرجع الأمر إلى أن بنية المرأة العظمية أضعف من بنية الرجل؛ ذلك أن عظام الرجل أكثر صلابة، وأثقل وزنًا من عظام المرأة. كما أن حوض المرأة أوسع من حوض الرجل؛ حتى تؤدي وظيفة الحمل والولادة. يشير إلى ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خُلقت من ضِلْعٍ، وإنَّ أعوجَ ما في الضِّلْعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمُهُ كسرتَهُ، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجَ، فاستوصوا بالنساء خيراً) فالمقصود بكلمة “ضلع” بأن المرأة رقيقة ولينة وليس على الحقيقة بأنها خلقت من ضلع آدم، وليس صحيحًا، على ما ذكر في العهد القديم بأنها خلقت من ضلع أعوج غير قابل للتصحيح.
ثم بالتأكيد لا نستطيع أن نرجع الأمر إلى كثرة المهمات والواجبات، التي تنهض بها المرأة بالمقارنة مع الرجل، مثل أعباء البيت من طبخ وغسل، وتربية الأطفال ومراقبة أعمالهم وسلوكهم في البيت وفي المدرسة، يضاف إلى ذلك العمل خارج المنزل إذا كانت موظفة أو عاملة. ذلك أن الدراسات تقول: إن المرأة تعمل في البيت أكثر من الرجل بأربع ساعات أسبوعيًا إذا لم يكن في البيت أطفال، وفي حالة وجود أطفال يزيد الفرق ليصل إلى 14 ساعة أسبوعيًا، أما المرأة العاملة فإنها تعمل في منزلها أكثر من زوجها بـ13 ساعة أسبوعيًا.
لا شك أن وهن المرأة العظمي عامة لا يعود إلى تكوينها الجسدي، ولا إلى تعدد أعمالها وجهودها، والدليل على ذلك أن أمهاتنا وجداتنا كن يحملن ويلدن أكثر من النساء الآن، وكن يقمن بالزرع والحصد، والعناية بالغنم والماعز، فضلًا عن أعمال البيت وتربية الأولاد. ومع تلك الحياة القاسية كانت أجسامهن أقوى، وعظامهن شديدة وصلبة. إذن، ما الذي جعل من المرأة كيانًا مهدود الحيل، ضعيف الجسم، يعاني من تآكل العظم، وتفكيك المفاصل أكثر من الرجل؟
لعل العامل الحاسم (كما أرى) يكمن في طريقة تعامل المرأة مع نمط الحياة، الذي فرضته التكنولوجيا الرقمية والحضارة الحديثة؛ فالمرأة تأثرت كثيرًا بهذه الحياة أكثر من الرجل. صارت أكثر اهتمامًا بشكلها على حساب صحتها، وتمردت على خلقتها، وطمحت أن تكون أكثر جمالًا مما هي عليه، تجاوبًا مع ما تشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي، فلجأت إلى عمليات التجميل والترقيع. إنها تود أن تكون في غاية الجمال والروعة أمام النساء الأخريات، وتغدو مقبولة عند زوجها، فلا يفكر في امرأة غيرها من طراز النساء اللائي يشاهدهن على شبكة الانترنت وما تناسل منها من منصات الواتس واليوتيوب والفيسبوك وغيرها. لقد باتت قلقة خائفة على حياتها وبيتها مما تشاهده وتسمعه عن حوادث الطلاق والتفكك الأسري. إنها تتحسس الأذى بعاطفتها وليس بعقلها، كما هو معروف عن النساء في الغالب.
إذا كان للمرأة أن تحافظ على هيكلها العظمي من الوهن والألم فعليها أن تتعامل مع الحياة التي فرضتها التكنولوجيا بحذر وانتباه، فلا تستكين لمغرياتها وتهويماتها، وأن تتقبل ذاتها، وتغير من نمط حياتها القائمة على الدعة اللامتناهية، وتحاول أن تكون عقلانية في قراراتها، وحكمها على الأشياء، وتناضل من أجل أن تتخذ السلطات المسؤولة قرارات لصالحها، كإطالة عطلة الأمومة للمرأة العاملةـ، وحمايتها من عنف الرجل وقسوته.