اد هاني الضمور:
عندما يجتمع دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في خطاب واحد، فإن النتيجة تكون مزيجًا من التضليل السياسي والتهديدات المصطنعة، في محاولة لصياغة واقع وهمي يُجبر الجميع على التعامل معه وكأنه احتمال وارد. الأول يعتمد على إثارة الجدل ليبقى في دائرة الاهتمام، والثاني يُتقن هندسة الوقائع الزائفة لفرض سياسات غير شرعية. لكن خطورتهم لا تكمن في تصريحاتهم فقط، بل في قدرتهم على تحويل الأفكار المتطرفة إلى مواضيع للنقاش، مما يجعل من المستحيل يبدو وكأنه سيناريو مطروح.
التصريحات الأخيرة لترامب ونتنياهو ليست مجرد كلمات عابرة، بل تكتيك مدروس يهدف إلى إحداث صدمة إعلامية تجعل حتى الجرائم الأخلاقية والقانونية، مثل تهجير الفلسطينيين، تبدو كخيار سياسي مطروح. لكن الرد عليهم لا يكون بمجرد الاستنكار أو تفنيد مزاعمهم، بل باستخدام استراتيجيات أكثر ذكاءً تضعهم في موقف الدفاع وتكشف زيف روايتهم قبل أن تتجذر في وعي الجماهير.
نزع الشرعية قبل الرد هو الاستراتيجية الأولى التي يجب اتباعها. فبدلًا من السماح لهم بفرض قواعد اللعبة، يجب تفكيك منطلقاتهم وكشف دوافعهم قبل الدخول في أي نقاش. ترامب، الذي يواجه عشرات القضايا القضائية، ويتهم بالإرهاب الداخلي من قبل جزء كبير من الأمريكيين، ليس مؤهلًا لطرح “حلول جيوسياسية”. ونتنياهو، الذي يخوض معركة بقاء سياسي بعد فشله في تحقيق أهدافه العسكرية، لا يملك أي مصداقية لاقتراح مستقبل أي شعب. لذلك، لا يجب منحهم شرف مناقشة مقترحاتهم، بل فضح خلفياتهم التي تجعلهم غير جديرين بصياغة أي حلول سياسية.
الرد عليهم يجب أن يكون بإجبارهم على الدفاع بدلًا من الهجوم. بدلًا من مناقشة “أين سيذهب الفلسطينيون؟”، يجب أن يُطرح السؤال الحقيقي: “لماذا يدعو رئيس سابق مهدد بالسجن إلى سياسات تطهير عرقي؟”. وبدلًا من الدخول في جدل حول “البدائل الممكنة”، يجب أن يتحول النقاش إلى: “كيف يهرب نتنياهو من مسؤوليته عن الفشل العسكري عبر إشعال الجدل الإعلامي؟”. هذه الأسئلة تجرّدهم من قدرتهم على فرض جدول الأعمال، وتجبرهم على مواجهة تداعيات خطاباتهم بدلًا من السيطرة على السردية العامة.
استخدام إغراق الساحة بالحقيقة هو الأسلوب التالي في المواجهة. إذا كان ترامب ونتنياهو يعتمدان على التكرار لجعل الأكاذيب تبدو حقيقية، فالرد يجب أن يكون عبر تكرار الحقائق حتى تصبح هي السردية المسيطرة. بدلًا من السماح لهم بتحويل النقاش إلى قضية “تهجير الفلسطينيين”، يجب قلب الطاولة عبر تصعيد الأسئلة إلى مستوى أعلى: “لماذا يروج نتنياهو لمشاريع تطهير عرقي بعد 75 عامًا من النكبة؟”، “كيف يمكن لمن فشل عسكريًا أن يقرر مصير ملايين البشر؟”، “لماذا يدعم ترامب تهجير الفلسطينيين بينما يهاجم المهاجرين في بلاده؟”. كل تصريح مضلل يجب تفكيكه ليس فقط بالرفض، بل بإغراق الساحة بمعلومات تفند أصوله وأهدافه، بحيث يصبح الدفاع عن هذه الأفكار أكثر تكلفة سياسيًا وإعلاميًا.
قلب السردية هو السلاح الأهم ضد هذه الأكاذيب. ترامب ونتنياهو يعتمدان على خلق أزمة وهمية لتبرير سلوكهم، لكن الرد عليهم يجب أن يكون بخلق أزمة مضادة تجعلهم في موقف دفاعي دائم. عندما يهددون بتهجير الفلسطينيين، يجب أن يتحول النقاش إلى: “إذا كانت إسرائيل غير قادرة على التعايش مع الفلسطينيين، فلماذا لا يُعاد النظر في شرعية احتلالها للأرض أصلًا؟”، “إذا كانت واشنطن تدعم سياسات التهجير، فلماذا لا تفتح حدودها للاجئين الفلسطينيين الذين تسببت في نكبتهم؟”، “إذا كان التهجير على الطاولة، فلماذا لا يناقش العالم مستقبل المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين؟”. بهذا الأسلوب، يتم انتزاع السيطرة على النقاش، وإجبار ترامب ونتنياهو على مواجهة تناقضاتهم بدلًا من فرض واقعهم المضلل.
المعركة هنا ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل معركة على الوعي العام. من ينجح فيها ليس من يملك المنصة الأكبر، بل من يحدد ما يجب أن يُناقش وما يجب أن يُرفض حتى قبل النقاش. ترامب ونتنياهو لا يسعيان إلى تنفيذ شيء بقدر ما يسعون إلى فرض طريقة معينة للتفكير تجعل من المستحيل يبدو ممكنًا. لهذا، المواجهة الحقيقية لا تكون بالرد على أسئلتهم، بل بإجبارهم على مواجهة الأسئلة التي يحاولون التهرب منها.
هذه ليست مجرد لعبة إعلامية، بل حرب حقيقية على الإدراك السياسي. من يكسبها ليس من يصرخ بصوت أعلى، بل من يفرض القواعد قبل أن يبدأ النقاش.