وطنا اليوم_د. دهمه الحجايا_يواجه الأردن اليوم قيادةٍ وشعب تحديات جسيمة من محاولات خارجية لفرض إرادةٍ لا تُحترم فيها سيادة الوطن أو تُراعي مصالحه. هذه الضغوط ليست وليدة اللحظة بل هي حلقةٌ في سلسلة محاولاتٍ سابقةٍ لاختبار إرادة الشعب الأردني وتماسكه مع قيادته. ففي عام 1990 تعرّض الأردن لابتزازٍ سياسي مماثل، حين حاولت جهاتٌ دولية وإقليمية جرَّه إلى التحالف ضد العراق، لكن الموقف الشعبي الواضح آنذاك الرافض للتدخل في شؤون الدول الشقيقة حمى القيادة من الانزلاق إلى موقفٍ لا يعبّر عن إجماع وطني. ها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم ليتكرر المشهد مع اختلاف السياقات، لكن السؤال الملحّ لماذا لا يتجدّد التضامن الشعبي بنفس القوة ليدعم القيادة في مواجهة الضغوط الجديدة حيال طلب الرئيس الأمريكي تهجير الغزيين إلى الأردن خصوصاً قبيل موعد اللقاء فيما بين جلالة الملك والرئيس الأمريكي؟.
حيث تشبه الأحداث الحالية ما حدث قبل ثلاثة عقود، لكن الفارق اليوم هو طبيعة التحديات وتعقيدات المشهد الإقليمي. ففي التسعينيات، كان الرفض الشعبي الأردني للضغوط الخارجية قائماً على رؤيةٍ وطنيةٍ تُقدّس الاستقلال وتنبذ التورط في صراعاتٍ تمسّ الجوار الجغرافي العربي. اليوم يواجه الأردن ضغوطاً قد لا تقل خطورةً، سواءً عبر شروطٍ اقتصاديةٍ مجحفة أو محاولاتٍ لفرض سياساتٍ لا تتوافق مع الأولويات الوطنية. ومع ذلك، يبدو التضامن الشعبي مع مؤسسات الدولة خافتاً مقارنةً بالموقف الواضح الذي شهدته القضية الفلسطينية، خاصةً في دعم غزة. وهذا يطرح تساؤلاً جوهرياً: إذا كان الأردنيون قادرين على التعبير عن تضامنهم مع فلسطين بكل قوة، لماذا لا يتحوّل هذا الحماس إلى دعمٍ وطنيٍ داخليٍ يحمي الوطن من الاختراقات الخارجية والتعبير عن الرفض الشعبي لهذه الاختراقات ونعيد ذات الاستجابة؟!!
ومما لا شك فيه أن الوقوف مع غزة قضيةٌ عادلةٌ تلامس وجدان كل عربي، لكنها أيضاً تذكيرٌ بأن حماية الوطن ليست منفصلةً عن حماية القيم نفسها. فالأردن بموقعه الجيوسياسي وتاريخه النضالي ليس مجرد حدودٍ جغرافية بل مشروعٌ حضاريٌ قائمٌ على التوازن بين الثوابت الوطنية والانتماء العربي إلا أن هذا التوازن يتطلب وعياً جماعياً بأن الأخطار الخارجية لا تُواجه إلا بجبهةٍ داخليةٍ موحدةٍ، تُعلي مصلحة الوطن فوق أي خلاف. فكما وقف الشعب سداً منيعاً ضد الضغوط عام 1990، يجب أن يعي اليوم أن دعم الجيش والأجهزة الأمنية والوقوف خلف القيادة هو خط الدفاع الأول ضد الابتزاز السياسي الذي أصبح يمارس على الوطن .
فالوطن اليوم يحتاج لصوتٍ واحد لا مجال فيه للمزايدات التي لا تبني أوطاناً ،
فقد يختلف البعض حول أولويات السياسات الداخلية لكن الاختلافات يجب ألا تُترك فضاءً للمزايدات أو الانقسامات حين يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية، فالتجربة التاريخية تثبت أن الضغوط الخارجية تزداد شراسةً عندما تلمس ضعفاً في التماسك الداخلي. واليوم نحتاج إلى موقفٍ شعبيٍ واضحٍ يبرهن مدى التماسك الداخلي ، يُترجم عبر دعمٍ مؤسسيٍ ومجتمعيٍ، يعكس إدراكاً بأن الأردن يستطيع أن يقول “لا” للضغوط.
وهذا يريد أن يكون أبناؤه متحدين في خندقٍ واحد. فالقوة التفاوضية للدولة تتعزز بقوة شعبها، والضغوط تتهاوى أمام إرادةٍ جماعيةٍ تُدرك أن التنازل عن الثوابت هو بداية الانهيار.
ليكون الوطن اليوم فوق الجميع وليس شعاراً يُرفع في المناسبات من قبل بعض المتسلقين ، بل مسؤوليةٌ يوميةٌ تُترجم عبر المواقف. فكما اجتمع الأردنيون سابقاً لدرء المخاطر، وحتى اليوم وهم يُظهرون تضامناً لا محدوداً مع القضايا العادلة فإن الساعة تحتم تجديد العقد الوطني بين الشعب والقيادة. فالتضامن الشعبي ليس ترفاً، بل ضرورةٌ وجوديةٌ في عالمٍ تتصارع فيه المصالح. لنكن أوفياء لدرس الماضي فالأردن القويّ بمواطنيه هو الأردن الذي يُحبط خطط المُبتزين ويُحافظ على قراره المستقل.
فالوطن يستحق أن نحميه جميعاً، بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، وعقولٍ مدركةٍ للتحديات، وإرادةٍ لا تنكسر.
حفظ الله الأردن وحفظ الله قيادته الهاشمية المظفرة تحت راية جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وولي عهده الأمين .