كتب الدكتور محمد الهواوشة:
منذ عقود، يسعى الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه إلى فرض سيناريو التهجير القسري على الشعب الفلسطيني، تارة بالقتل والتدمير، وتارة بالضغوط السياسية والاقتصادية. واليوم، يظهر مجددًا من يحاول التلويح بهذا الخيار كحل للأزمة، وكأن الفلسطينيين بلا أرض، وكأن الدول العربية معنية باحتواء نتائج الاحتلال بدلاً من إنهائه.
جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن ضرورة أن توفر مصر والأردن “خيارًا بديلًا” للفلسطينيين، في ظل رفض البلدين استقبال اللاجئين من غزة والضفة الغربية، لتكشف مرة أخرى أن بعض القوى الكبرى لا تزال تفكر بعقلية الوصاية والتسلط، متجاهلة الحقائق التاريخية والإنسانية والسياسية التي تحكم القضية الفلسطينية. وعندما سُئل ترامب عن موقف الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي الرافض لهذا الطرح، أجاب بثقة: “سيفعلون، سيفعلون”، وكأن قرارات الدول تُفرض بالإملاءات وليس بالإرادة السيادية لشعوبها.
لا تهجير ولا تنازل
الموقف الأردني والمصري واضح وثابت: لا تهجير، لا إعادة توطين، لا حلّ على حساب دول الجوار، ولا تصفية للقضية الفلسطينية تحت أي ظرف. هذه ليست مجرد شعارات، بل مواقف قائمة على مبدأ السيادة الوطنية والعدالة التاريخية. الفلسطينيون ليسوا أرقامًا تُنقل من مكان إلى آخر، بل شعب له أرضه التي لن يرحل عنها مهما كان الثمن.
الشعب الفلسطيني نفسه يرفض أن يكون ضحية مخططات التهجير الجديدة، كما رفضها في نكبة 1948 ونكسة 1967، وكما يرفضها اليوم وهو يقاوم العدوان على غزة. لم يبقَ الفلسطينيون في أرضهم عبر عقود من الاحتلال لأن أحدًا منحهم هذا الحق، بل لأنهم أصحاب الأرض، ولأنهم مصممون على البقاء فيها مهما بلغت التضحيات.
حتى لو قُطعت المساعدات
قد يعتقد البعض أن التلويح بقطع المساعدات الاقتصادية أو ممارسة الضغوط السياسية قد يدفع الدول العربية إلى تغيير مواقفها، لكن الأردن ومصر يعرفان جيدًا أن الثمن السياسي لتهجير الفلسطينيين أكبر من أي دعم اقتصادي. لا يمكن أن يكون المال بديلاً عن المبادئ، ولا يمكن أن تُشترى المواقف في قضايا مصيرية كهذه.
المساعدات لم تكن يومًا مجانية، وهي تُستخدم كأداة ضغط سياسي، لكن عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية وبحق الفلسطينيين في أرضهم، فإنها تفقد قيمتها أمام صمود الشعوب وإرادتها الحرة.
حتى لو وصل الأمر للحرب
إن التهديدات والضغوط لن تغير الواقع، وإن كان هناك من يظن أن خيار الحرب قد يفرض حلولًا قسرية، فإن التاريخ يؤكد أن المقاومة هي الخيار الوحيد الذي أثبت فعاليته في الحفاظ على الأرض والحقوق. لا يمكن فرض التهجير بالقوة، ولا يمكن تصفية القضية الفلسطينية برعاية دولية منحازة. الأردن ومصر لم يكونا يومًا عقبة في وجه الحل العادل، لكنهما لن يسمحا بأن يكون الحل على حساب شعبيهما وأمنهما القومي.
فلسطين للفلسطينيين
في النهاية، مهما حاولوا، ستبقى فلسطين للفلسطينيين، لن تُهجر غزة، ولن يُقتلع أهل الضفة، ولن يجد الاحتلال ومن يسانده إلا طريقًا واحدًا لحل القضية: إنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. أما الرهانات على التهجير، فهي ليست إلا أوهامًا ستتحطم على صخرة الصمود الفلسطيني والعربي، كما تحطمت كل المحاولات السابقة