وطنا اليوم_بقلم ابراهيم السيوف
عاد الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وكأن شيئًا لم يتغير، فهو لا يزال يمارس السياسة بنفس أسلوبه القديم: صفقات سريعة، تصريحات صاخبة، وأفكار تبدو كإعلانات تسويقية أكثر من كونها استراتيجيات دولية. وآخر “ابتكاراته” السياسية؟ ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن!
يبدو أن ترامب، بينما يجلس في المكتب البيضاوي ويضغط على “الكبسة السريّة” لجلب زجاجة كوكاكولا المنعشة، ظن أن القضية الفلسطينية يمكن حلها بنفس سهولة وصول مشروبه المفضل. فما المشكلة؟ مجرد بعض الفلسطينيين الذين يمكن شحنهم كما تُشحن البضائع بين المستودعات! ولكن دعني أخبرك يا سيادة الرئيس، هذه ليست “صفقة عقارية”، وهذه الأرض ليست ناطحة سحاب في نيويورك يمكنك إعادة بيعها بمزاد سياسي.
الأردن، ذلك البلد الذي يعرفه العالم بشموخه، لن يكون بأي حال من الأحوال جزءًا من هذا السيناريو السخيف. فالمملكة ليست “صالة انتظار” لحلول فاشلة، ولا الأردنيون شعبٌ يقبل بأن يتحول وطنهم إلى “خيار بديل” حينما تنفد الأفكار من أذهان الساسة. لقد سمعنا كثيرًا عن صفقات التسوية، وكل ما رأيناه في النهاية كان مجرد “مشاريع مسيلة للضحك”، لكن الأردن بقي على موقفه الثابت: فلسطين للفلسطينيين، ولا مقعد إضافيًا على هذه الطاولة.
أما مصر، فدعني أقولها بأسلوب بسيط قد يفهمه ترامب: المصريون لا يحبون “المشروبات الغازية” حينما يتعلق الأمر بأمنهم القومي. فهم يدركون جيدًا أن غزة ليست مجرد مساحة فارغة يمكن ملؤها بإملاءات خارجية، وأن التاريخ لا يُعاد تدويره حسب رغبة قاطني البيت الأبيض. المصريون منشغلون ببناء وطنهم، وليسوا بوارد استلام “شحنات سياسية” مجهولة المصدر.
أما عن مجلس النواب الأردني، فالواضح أنه سيبدأ ماراثون البيانات المعتادة: رفضٌ، استنكارٌ، ربما جلسة طارئة لمناقشة “الموضوع الخطير”، ثم عودة إلى الحياة الطبيعية وكأن شيئًا لم يكن. لكن الشعب الأردني – ذلك الحارس الأمين – سيظل يرفع صوته عاليًا: “لا مساس بالأردن، ولا تصفية لفلسطين”، وبصوت أعلى مما يمكن لأي بيان رسمي أن يصل إليه.
وفي النهاية، رسالة مفتوحة إلى الرئيس ترامب: السياسة ليست لعبة “ضغط الزر” ولا فقاعة كوكاكولا تظهر للحظات ثم تختفي. هناك قضايا لا تُحل بمجرد الأفكار المعلبة، والأردنيون والفلسطينيون لن يكونوا جزءًا من مشروعك الذي لا طعم له ولا لون ولا رائحة، تمامًا ككوكاكولا دافئة تُركت في الشمس أكثر مما ينبغي.