بقلم: نضال فيصل البطاينة
مُنذ سنوات ونحن في الشرق الأوسط نُعاني الغموض الإستراتيجي على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص، وعلى مستوى الوضع الجيو-سياسي بشكل عام، فقد دخلت المنطقة في منعطف حاد وخطير وخاصة ما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحوّل الصراع في المنطقة من صراع ثنائي بين المقاومة وجيش الاحتلال إلى صراع مفتوح على أكثر من ساحة، وبدأت تتفاقم وتيرة العمليات العسكرية في بؤر منسيّة كما يجري في سوريا الآن، وهذا ما يضع الأردن أمام خيارات صعبة جداً ومُكلفة سياسياً واقتصاديا.
وباعتقادي كمواطن، فإن الأردن اليوم أحوج ما يكون لأن يُعاد التحالف التاريخي للعقل مع مصنع القرار في الدولة، فنحن بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين قادرين على حمل مشروع الدولة وروايتها وسرديتها والخروج بمبادرات عقلانية منطقية لصياغة الموقف الأردني بما يجري في الشرق الأوسط، وذلك دعماً للجهود الدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك -حفظه الله- .
إن هذا الأمر يتطلب من أبناء الدولة، وممن تقلّدوا مناصب، وأكرمتهم الدولة في ذلك، أن يقفوا إلى جانبها في هذا الوقت العصيب وعدم الاختفاء، وأن يكونوا فاعلين في المجتمع، ويشتبكوا إيجابياً مع الشارع الأردني، وذلك في سبيل دعم الرواية والسردية الأردنية، حتى نصل لجبهة داخلية تدعم القائد والمؤسسات بفعالية.
نحتاج إلى العودة إلى زمن رجال الدولة الذين شكلوا حالة فريدة في العمق العربي، والذين استطاعوا صياغة مشروع تهدئة، للخروج بمبادرات حتّى نصل لحل هذا الغموض الإستراتيجي، وأدعوهم إلى أن يكونوا عوناً للبلد وقيادته وليس عبئاً عليه.
هذا الأمر يتطلب من رجالات الدولة الجُرأة على الحديث، وتجويد الخطاب بما يتناسب مع المرحلة، وأن لا يتركوا الدولة وكينونتها في هذا الوقت الحرج، وأن يأخذ هذا الخطاب نفساً أردنياً قوياً، يكون زفيره في وجه كل من تسوّل له نفسه العبث بالداخل الأردني أو محاولة كسر صورة الدولة.
إن الدولة الأردنية قوية وثابتة، ونثق بقدراتها على التعامل مع التحديات المُحيطة بنا وخطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة كان واضحاً وبشكل جليّ بأننا قادمون على قرارات صعبة، ولكنها ستكون حتماً بما يخدم مصالح الدولة العُليا، وباعتقادي أن تحالف الدولة مع العقل سيكون رافداً ومُعززاً لهذا التوجه، إذ إن هذه الرسالة يجب أن تلتقطها رجالات الدولة للبناء على الخطاب الملكي، وحمل زمام المبادرة لا الإنتظار ومراقبة المشهد بصمت.