ردّاً على منشور الدكتور الرحاحلة : كنتَ ستزيد تشوّهات التأمين الصحي يا عزيزي

20 نوفمبر 2024
ردّاً على منشور الدكتور الرحاحلة : كنتَ ستزيد تشوّهات التأمين الصحي يا عزيزي
استغربت ما كتبه الدكتور حازم رحاحلة مدير الضمان السابق في سياق تعليقه على صراع المصالح بين نقابة الأطباء وشركات التأمين حول لائحة الأجور الطبية الجديدة، وقوله بأن (15%) فقط من الأردنيين بدون تأمين صحي.!
أعيد الأخ الرحاحلة إلى واحد من تصريحاته الكثيرة التي أكّد فيها أن ثلث الأردنيين بدون أي تأمين صحي( تم إطلاق هذا التصريح بتاريخ 9-10-2022، أي قبل حوالي 20 يوماً من إنهاء خدمات الرحاحلة من الضمان) وهذا هو الصحيح، فمختلف الدراسات والتقديرات أكّدت هذه الحقيقة، وأكّدت أن الأردنيين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات (ثلاثة أثلاث) من ناحية مدى تمتعهم بالتأمين الصحي؛ ثلث يحمل تأميناً صحياً واحداً (بطاقة تأمين)، وثلث يحمل أكثر من تأمين (أكثر من بطاقة تأمين)، والثلث الأخير لا يتمتع بأي تأمين صحي، أي محروم تماماً من التأمين.!
هذا جانب، من جانب آخر يقول الدكتور الرحاحلة بأن المشكلة تكمن بالأساس بهيكلية قطاع الصحة وغياب مظلة التأمين الصحي الوطنية الشاملة، وكذلك غياب المظلة التنظيمية التي تضبط قطاع الصحة بشكل عام. وأنا أتفق معه تماماً في هذا التشخيص للمعضلة، لكن ما أود قوله للأخ الرحاحلة بأن دخول مؤسسة الضمان كلاعب جديد في مضمار التأمين الصحي ضمن السيناريو الذي تم طرحه من قِبَلك وكنتَ تدفع به بقوة وتدافع عنه ببسالة، وهو سيناريو قاصر وجزئي وركيك وغير مستدام ولا عادل ولا يفي بأدنى متطلبات التأمين الصحي المطلوب أيضاً، ولو تم تطبيقه لزاد من تشوّهات التأمين الصحي التي تعاني منها الدولة، ويعاني منها الأردنيون، وأعيدك في هذا الصدد إلى أربعة أمور جوهرية:
الأمر الأول:
رفض الحكومة قبول عرضك بأن تُسهم الخزينة العامة بتحمّل نسبة من كلفة التأمين الصحي الاجتماعي وفقاً لأحد سينايوهاتك المطروحة للتأمين، ما حدا بك إلى تحميل كامل الكلفة للمؤمّن عليه العامل أو المتقاعد، وهذا لم يكن عادلاً، لا سيما وأن المطروح هو علاج داخل المستشفى فقط In-Patient. وقد سمعت من أحد الوزراء المعنيين نقداً لاذعاً لمشروع التأمين المطروح من قِبلك، وبأنه غير مدروس ولا ناضج.!
الأمر الثاني:
تعارُض التأمين المُقترَح مع المعايير الدولية: فالسيناريو الذي كان مقترَحاً يُلقي بعبء التكلفة والتمويل على العمال والمتقاعدين وحدهم مع إعفاء أصحاب العمل والحكومة من أي مساهمة في التمويل، ويقدّم تأميناً صحياً للعلاج داخل المستشفى فقط، ما يتناقض مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (102) التي وقّعت عليها الأردن. والتي تؤكد على ضرورة تمويل خطط وتأمينات الضمان الاجتماعي عن طريق المساهمات بين مختلف الأطراف، وأنه يجب ألا تتجاوز حصة العمال 50٪ من إجمالي الموارد المخصصة للحماية بما فيها تكلفة الإدارة. مما يجب معه مساهمة أصحاب العمل والحكومة في تمويل التأمين الصحي الاجتماعي مثلاً على أساس توزيع منصف ومتوازن لعبء التمويل بين العمال
وأصحاب العمل والحكومة.
كما تنص معايير منظمة العمل الدولية على ضرورة أن تكون حزمة المنافع شاملة وتغطي الحد الأدنى مثل:
١) الطب العام أي الرعاية المتخصصة في المستشفيات للمرضى داخل المستشفى وخارجه، والرعاية المتخصصة المتاحة أيضاً خارج المستشفيات.
٢) المستحضرات الصيدلانية الأساسية.
٣) دخول المستشفى عند الضرورة.
٤) حالة الحمل والولادة ونتاجهما: رعاية ما قبل الولادة وأثناء الولادة وبعدها إما عن طريق أطباء عامين أو قابلات مؤهلات؛ والاستشفاء عند الضرورة (الاتفاقية رقم 102 المادة 10).
كما يجب توفير الرعاية المقدمة بهدف الحفاظ على صحة المؤمّن عليه أو تحسينها وقدرته على العمل وتلبية الخدمات الوقائية والعلاجية والتأهيلية التي يحتاجها.
الأمر الثالث:
أن مذكّرة مهمة صدرت عن منظمة العمل الدولية انتقدت بشدة سيناريو التأمين الصحي المطروح من قبل مؤسسة الضمان في ذلك الوقت، في مذكرة فنية صدرت عن منظمة العمل الدولية/مكتب العمل الدولي أُعِدّت في أيلول/سبتمبر 2022 بعنوان (تنفيذ المنافع الصحية من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردنية – ملاحظات واعتبارات في ضوء معايير الضمان الاجتماعي لمنظمة العمل الدولية) تضمنت العديد من الملاحظات والانتقادات حول السيناريو المقترح لتطبيق التأمين الصحي الاجتماعي من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأشارت إلى أهمية شرط التغطية والانسحاب لضمان المساواة بين جميع العمال وتجنّب إدامة نظام من مستويين، لذا أوصت بتجنب شروط إلغاء الاشتراك لأصحاب العمل الذين يوفرون بالفعل تغطية التأمين الصحي الخاص لموظفيهم، حيث يمكن أن يكون دخل المساهمة المتنازل عنه نتيجة لشرط عدم المشاركة كبيراً وقد يقوض الجدوى المالية للنظام، كما أشارت إلى أن إخضاع العمال لمعدلات مساهمة مشتركة مختلفة اعتماداً على ما إذا كان أصحاب العمل يقدّمون تأميناً صحياً قبل الإصلاح (الانسحاب)، وما إذا كان أصحاب العمل يعتزمون استبدال المخططات السابقة بنظام مؤسسة الضمان الإجتماعي الجديد يثيرأيضا مخاوف تتعلق بالمساواة..!
وقد خرجت المذكّرة بتوصيات مهمة منها:
كان توسيع نطاق حماية الصحة الاجتماعية في صميم النقاش الوطني لعقود. وقد بُذلت في الماضي القريب عدة محاولات لوضع خطة رئيسية شاملة لإصلاح نظام التأمين الصحي في الأردن وإدماجه، مع إحراز تقدم محدود. تؤدي مؤسسات الضمان الاجتماعي دورا هاما في دعم توسيع نطاق التغطية في العديد من البلدان. ومع ذلك، يجب أن يحدث هذا في سياق نهج شامل يسمح بالمواءمة والحد من التجزئة، وتحسين التضامن والإنصاف في الحصول على الرعاية الصحية، وضمان التمويل المتوازن والمستدام.
ولدى مواصلة النظر في الإصلاحات المقبلة، ينبغي للهيئات النظر في ضمان مواءمة مخططات حماية الصحة الاجتماعية المجزأة (والتكامل التدريجي). وقد أثبت ذلك فعاليته في العديد من البلدان لتحسين ممارسات رصد توسيع نطاق التغطية والشراء (لمواءمة حوافز جانب الطلب). وينبغي أن يشمل ذلك مواءمة تدريجية في مجموعة المنافع، ووضع آلية مشتركة لرصد التغطية، وإنشاء نظم لسداد التكاليف والتعاقد عبر المخططات، في إطار سلطة تنظيمية مركزية. إذا قرر الشركاء الثًُلاثيون في الأردن المضي قدما في تنفيذ المنافع الصحية بموجب قانون الضمان الاجتماعي لعام 2014، فيجب
مراعاة ميزات التصميم التالية لضمان التوافق الوثيق مع معايير الضمان الاجتماعي الدولية:
1) إلغاء شروط عدم القبول وضمان مشاركة جميع العاملين في القطاع الخاص وأرباب العمل في تمويل مخطط مشترك على أساس مستوى مساهمة منصف وموحد، دون استثناء. وقد ثبت أن التغطية الإلزامية دون شروط إلغاء الاشتراك أكثر فعالية في توسيع نطاق التغطية على الصعيد العالمي. وعند إنشاء مخطط إلزامي، يمكن إعادة تعريف المخططات الطوعية الخاصة المهنية القائمة من قبل
لتصبح متكاملة.
2) تقديم حزمة منافع شاملة. وينبغي أن تسهم مخططات حماية الصحة الاجتماعية في نهج الرعاية الصحية الأولية وأن توائم حوافزها مع مقدمي الرعاية والأشخاص المشمولين بالحماية وفقا لذلك. يجب ضمان حزمة منافع شاملة، بما في ذلك الرعاية الأولية وهي ضرورية عندما يتعلق الأمر بحفظ البوابة.
3) ضمان إقامة حصة عادلة من التمويل بين العمال وأرباب العمل من خلال الحوار الثلاثي الأطراف. ووفقا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102، عندما تمول خطط الضمان الاجتماعي عن طريق الاشتراكات، ينبغي ألا تتجاوز حصة العمال 50 % من مجموع الموارد المخصصة للحماية، بما في ذلك تكلفة الإدارة.
4) إدراج المستشفيات العامة في شبكة مقدمي الخدمات وضمان وجود نظام وقاية أولي مناسب من خلال نظام عام. في النظم الصحية التعددية، من الممكن لخطط حماية الصحة الاجتماعية أن تتعاقد مع مرافق صحية خاصة، لكن لا ينبغي أن تقوض الاستثمار في المنشآت العامة. يمكن النظر في شبكة موحدة من مقدمي الخدمات العامة والخاصة في النظم الصحية التعددية، باستثناء المرافق العامة التي من
شأنها أن توجه الأموال العامة حصرا إلى القطاع الخاص.
5) تجنب الاستعانة بمصادر خارجية للوظائف الأساسية. أي إستعانة بمصادر خارجية أو إدارة من طرف ثالث يكون من الأسهل إدارتها عندما تُستبعد منها الوظائف الأساسية المتعلقة بتجميع المخاطر وتعريف سياسات الشراء. لذلك ينبغي ألا تخفي العمليات الإدارية للطرف الثالث إمكانية الوصول وحقوق المنتفعين من أجل تعزيز وسائل الشراء الاستراتيجية.
6) مراقبة الاستدامة المالية لنظام التأمين الصحي بعناية من خلال التقييمات الاكتوارية ووضع ضمانات واضحة لتجنب الآثار المالية السلبية على فروع الضمان الاجتماعي الأخرى، بما في ذلك من خلال إعادة التأكيد على دور الدولة كضامن نهائي للاستقرار المالي لنظام الضمان الاجتماعي .
7) الانخراط في حوار اجتماعي مع أصحاب العمل والعمال وغيرهم من أصحاب المصلحة الوطنيين المعنيين يمكن أن يضمن أنتصاميم الإصلاح المقترحة تستند إلى إجماع واسع وتستجيب للاحتياجات المطلوبة.
الأمر الرابع:
مثلما تُبرّر في منشورك رفع تعرفة لائحة الأجور الطبية للأطباء وحق شركات التأمين بالدفاع عن مصالحها، كنتَ قد أكّدتَ قبل أكثر من سنتين بأن مشروع التأمين الصحي المقترح يشكل رافعة لمنظومة الرعاية الصحية في المملكة، ويؤسس لتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي بالوصول إلى مظلة متكاملة للتأمين الصحي الشامل، وأن المؤسسة لن تسير في أي مسار في إطار تطبيق هذا التأمين يضر بقطاع التأمين الخاص.. وفق ما جاء في تصريحاتك أمام منتدى الإستراتيجيات الأردني. فما دمتَ يا مدير الضمان السابق حريصاً أن لا تجرح مشاعر أصحاب قطاع التأمين الخاص أو تلحق أي ضرر بمصالحهم، ألا يُفترَض بكَ أن تراعي مصالح ومشاعر أكثر من (1.2) مليون مستفيد مُشترك مُفتَرَض بالتأمين الصحي الذي كنت تعتزم تطبيقه عليهم في المرحلة الأولى وأنت تقدم لهم تأميناً لا يمكن وصفه إلا بأنه تأمين “ربع كم”. وكيف تُلزمهم بتأمين صحي منقوص وغير مقبول بالنسبة لهم وتُحمّلهم الكلفة كاملة بعد أن لم تستطع فرض أي مساهمة على الأطراف القوية لتمويل هذا التأمين مثل الحكومة وأصحاب العمل ما أدّى بك إلى اقتراح صورة مشوّهة مبتورة غير عادلة لتأمين صحي يغطي هذه الفئات الضعيفة في المجتمع بمظلة مثقوبة. كما كان من المفترَض أن تترجَم الشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص بما يُفضي إلى تحقيق الصالح العام، وليس الانحياز إلى قوى رأس المال على حساب العامل والمواطن الضعيف محدود الدخل، كما يُفترَض في إطار السعي لتطبيق التأمين الصحي الاجتماعي أن تُراعَى حوكمة منظومة القطاع الصحي على مستوى المملكة كما أشارت رئيسة منتدى الاستراتيجيات الأردني بما يهدف إلى توسيع مظلة الخدمات المقدمة للمواطنين والتغطية الصحية الشاملة ذات الجودة العالية في المملكة، وليس زيادة تشوهّات منظومة التأمين الصحي والانتقاص من مستوى تكافلية التأمين وجودته وعدالته بين الناس. والقراءة المتمعنة لما قدّمته تعديلات الضمان من سيناريو لتطبيق التأمين الصحي بتحميل كلفته على العامل والمتقاعد دون أصحاب العمل ودون مساهمة من خزينة الدولة ودون شمولية التأمين وتغطيته للعلاج داخل وخارج المستشفى ودون اعتبار حقيقي لماهية تغطيات التأمين الصحي المقدّم لفئات من العاملين من خلال منشآتهم، ودون ضمان استدامة هذا التأمين واستقرار نسب الاقتطاع الشهري عنه، ودون تقديم أي ضمانة لمستوى الخدمة العلاجية التي يوفرها، ودون الإشارة إلى أي تنسيق مع الحكومة ممثلة بوزارة الصحة في الموضوع، ودون الإفصاح عن بعض تفاصيل التأمين ولا سيما ما يتحمّله المستفيد من كلف الدواء والمعالجة وغيرها، لعل في ذلك كله ما يجعلنا نقول بأن هذا التأمين تشوبه الريبة والغموض، وأنه سيسهم في مزيد من تشتيت وبعثرة وفوضوية منظومة التأمين الصحي في المملكة وعدم عدالتها، وهنا أنصح مدير الضمان أن يقرأ التقرير الصادر عن منتدى الاستراتيجيات الأردني في كانون الأول 2020 وعنوانه (تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصحي في الأردن…) والذي جاء في الصفحة الرابعة منه ما يلي:
(إن تعدد برامج التأمين الصحي الحكومي وتفاوت مستوياتها من حيث الاشتراكات المقتطعة والمزايا الممنوحة يزيد من شرذمة نظام التأمين الصحي العام).
أخيراً، أدرك أن النوايا حسنة وطيبة، لكن ذلك لا يعفي من مسؤولية إقحام مؤسسة الضمان والمجتمع والحكومة في مشروع تأمين صحي قد ينتج عنه كُلف باهظة، وخدمة تأمينية مجتزأة، وتجربة لم تدوم طويلاً.!
ما أردته من هذا الرد أن يكون مفتاحاً لإعادة التفكير بموضوع التأمين الصحي الاجتماعي وتطبيقه من خلال الضمان بعد دراسة مُحكمة مستفيضة تأخذ بالاعتبار كل ما ذُكر أعلاه.
(مقال الرحاحلة في التعليق الأول)
(سلسلة توعوية تنويرية اجتهادية تطوعيّة تعالج موضوعات الضمان والحماية الاجتماعية، وتبقى التشريعات هي الأساس والمرجع- يُسمَح بنقلها ومشاركتها أو الاقتباس منها لأغراض التوعية والبحث مع الإشارة للمصدر).
خبير التأمينات والحماية الاجتماعية
الإعلامي والحقوقي/ موسى الصبيحي