كسل الصحافة ورتابتها

31 يناير 2021
كسل الصحافة ورتابتها

  عريب الرنتاوي

خلال الشهر الحالي فقط، استضاف مركز القدس للدراسات السياسية ما يربو عن المائة شخصية سياسية وفكرية عربية، رفيعة المستوى، نواب وقادة أحزاب ومثقفين، رجالاً ونساء، إسلاميين ويساريين وقوميين وشيوعيين وليبراليين، من أكثر من خمس عشرة دولة عربية، وذلك للمشاركة في مؤتمرات إقليمية نظمها المركز، دارت في مجملها حول أهم عناوين ومحاور مرحلة الانتقال السياسي التي تعيشها المنطقة العربية.

المؤسف حقاً، أننا لم نر صحفياً أردنياً واحداً يجول بين المشاركين، يستطلع آراءهم حول أهم القضايا التي تواجه الأمة، مع أن مختلف الصحف ووسائل الإعلام، دعيت مسبقاً للمشاركة في الحدث وتغطيته … ضيوف من سوريا، العراق، مصر، تونس، اليمن، دع عنك ليبيا والمغرب والجزائر وفلسطين وغيرها … لم نر أيٍ من صحافيينا، يفكر بكتابة قصة واحدة عن واحدة من هذه الأزمات الكبرى، مستطلعاً آراء الفاعلين فيها، عبر ممثليهم الذين حضروا إليه في عمان، بدل أن يتجشم عناء السفر المكلف إليهم في أوطانهم.

رأينا تغطيات مبتسرة لوقائع المؤتمر، شكراً لوكالة الأنباء الأردنية “بترا” التي كانت تعد الخبر، فنراه منشوراً في اليوم التالي في مختلف الصحف المحلية، على شكل “طقم واحد”، بذات النص وذات العناوين … مع أنه كان يكفي أن يقضي مندوب واحد للجريدة بضع ساعات في أروقة الفندق، معززاً مكرماً، حتى يخرج مدججا بعدد من القصص والتقارير التي تكفيه مؤونة أسبوع من رتابة العمل اليومي.

بعضهم أكثر استعجالاً، يعمل وفق نظام “الوجبات السريعة”، يأتيك في الصباح المبكر، وقبل أن تبدأ الورشة أو المؤتمر أعماله، ليسأل عن البيان والختامي والتوصيات، فصاحبنا لا وقت لديه للإصغاء، ويريد أخذ الأمور من خواتيمها “من الآخر”، وعندما يتقنع أن البيان الختامي ليس معداً مسبقاً، يترك “الإيميل” الشخصي بين يديك لترسله له عند الصدور، ويفضل مع بعض الصورة المنتقاة، وفي غالب الحالات “لا حس ولا خبر”.

المسألة هنا، لا تتعلق بتغطية وقائع مؤتمر، المسألة تتخطى ذلك بكثير، إلى محاولة الاستفادة من عشرات الضيوف الذين يؤمون البلاد شهرياً من دون أن تستفيد منهم الصحافة اليومية في إغناء تغطياتها الإخبارية الخاصة … وما ينطبق على مركز القدس، ينطبق على عدد من المؤسسات الأردنية الأخرى ذات البعد الإقليمي أو الدولي في نشاطاتها.

والحقيقة أننا نرد ذلك إلى ضعف كبير في “المهنية” و”الحافز”، فصحفيو هذه الأيام، باتو متثاقلين جداً، بالكاد يغادرون مكاتبهم، مراسل المحطة التلفزيونية يكتفي بإرسال المصور مع قصاصة صغيرة، كتب عليها أسئلته على عجل … ومحرر الـ “ديسك” يداهمك بالأسئلة عبر الهاتف، وتطلب إليك المحررة “الناعمة” أن تتباطأ بالإجابة على أسئلة حتى “تلحق” عليك بالكتابة … وثالثة الأثافي، ما حصل قبل أيام، عندما اتصل بي صحفي ملهوف يريد أن يأخذ تعليقي على قرار الرئيس محمود عباس بإغلاق “دائرة الوطن البديل” في منظمة التحرير، يقصد بالطبع “دائرة الوطن المحتل”، وعندما سخرت من سؤاله وطلبت إليه مراجعة من طلب إليه إجراء المقابلة، خرج ولم يعد.

الصحافة المحلية “غارقة في بحر من الكسل”، لا حوافز لدى الصحفيين لمطاردة أية قصة على الإطلاق … تغيب المقابلات الوجاهية إلا ما ندر، وتغيب التحقيقات والاستقصاءات عن صفحاتها، فتلك بحاجة لوقت وجهد وربما بعض المال، والصحفيون غارقون في حروبهم المطلبية، والصحف في التحضير لوجبة الرواتب آخر كل شهر، والتي باتت عبئاً ثقيلاً على إداراتها.

أزمة الصحف المحلية، تتخطى الضرائب على الورق والحمولة الفائضة من الموظفين “الهابطين بالبراشوت والواسطة”، الأزمة في شقها الأهم، تتصل بضعف قدرة هذه الصحافة على تقديم الجديد والمثير لاهتمام لجمهور قرائها، دع عنك هوامش حرية الرأي والتعبير، التي لا تعرف متى تتمدد ومتى تتقلص، وأين تتنقل خطوطها الحمراء والصفراء والخضراء.