بقلم:اللواء المتقاعد الدكتور رضا البطوش
النهج القائم في تشكيل الحكومات الأردنية لم يعد قادراً على مواكبة التغيّرات التي طرأت على البيئة الإستراتيجية وتحديداً البيئة الوطنية منها على الرغم من أهمية البيئات الأخرى (الدولية والإقليمية) ، وآن الأوان للتغيير في هذا النهج لضمان الديمومة والحفاظ على الوطن وقيادته، إن تعزيز الفشل نهج لا بد وأن يتوقف، ففي الديموقراطيات الحديثة عادة ما يتم تعزيز النجاح، لكن ما هي النجاحات التي تحققت حتى نعززها؟ ماذا أعددنا على امتداد عمر الدولة قبل ان نصل الى هذا المأزق؟ وهل فشلنا في استشراف المستقبل للحفاظ على الوطن ونظامنا السياسي العظيم؟ هل ما نحن فيه من أزمات هو نتاج النهج القائم؟ أين اخفقنا حتى نصحح المسار؟ وهل لدينا الجرأة أن نعترف بالفشل وأننا نسير بانحدار مرعب باتجاه المجهول؟ أين نحن من هرمية التخطيط الإستراتيجي في الدولة بدلاً من الجزر المعزولة في التخطيط إن وجد، حيث تتربّع القيم الوطنيّة على رأس الهرم الوطني في التخطيط الإستراتيجي وتُبنى ويحافظ عليها كأولوية في هيكلية التخطيط والإهتمام، من خلال نهج التخطيط الإستراتيجي السليم لعقل الدولة (الحكومة المركزية) والذي تناط به المسؤولية المباشرة في إدارة شؤون الدولة، وعليه فإن الحفاظ على قيَمِنا الوطنية هي مسؤولية الدولة بكافة مؤسساتها ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تترك دون وجود خطط وطنية تحافظ عليها وعلى ديمومتها وحسن تشكيلها لأنها المرجع الأساس في هرمية التخطيط الإستراتيجي للدولة.
وللإجابة على التساؤلات أعلاه استطيع القول وعلى الرغم من أن الكأس ليست فارغة الا أن إخفاقاتنا كثيرة، لقد أخفقنا وفشلنا فشلاً ذريعاً على المستوى الوطني في التنمية السياسية، وللأسف كنّا نعزز الفشل في هذا الإطار، وتُهْنا في الطريق بين اليمين واليسار واستغلينا بخُبْث بعض الأحزاب القائمة والمُتهالكة والمُتنفّعة في دعم خيباتنا، وفي جوانب أخرى إسْتَهدفْنا الشخصيات الوطنية الوازنة، وفَتتنا العشائر الأردنية بمباركة من مؤسسات الدولة، وعَمّ الفساد، وانسحقت الطبقة الوسطى، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة، وارتفعت المديونية لنسب خطيرة وما رافق ذلك كُلّه من ترهل مُرعِب في الإدارة العامة للدولة، وحدِّث ولا حرج عمّا يُعانيه التعليم، لكن من المسؤول عن كل هذه الخَيْبَات؟ ليكن لدينا الجرأة لنقول بأن المسؤولية مشتركة لكل مؤسسات الدولة! إن التموضع في المنطقة الرمادية لتحقيق أهداف شخصية، وتحديداّ عندما يتعلق الأمر بالوطن ونظامه السياسي، هو خيانة بحد ذاته، وآن الأوان أن نعترف بخيباتنا وأن مسؤولية الإخفاق والفشل مشتركة.
هل من مخرج؟ الجواب نعم، علينا أولاّ أن نعترف بأننا أخفقنا في إدارة جميع هذه الملفات، وعلينا أن نعترف ايضاً بأن الشعب هو مصدر السلطات لكي تستقر الحياة السياسية وبما يسمح بالمسؤولية المشتركة في إدارة هذه الملفات، وعليه، وفي إطار تغيير النهج، آن الأوان أن نسير بخطى ثابتة نحو الحكومات البرلمانية، وأن نعيد السلطة إلى الشعب، وحتى نزيد من فرص النجاح علينا أن نعمل على إطلاق الحريات العامة والتوافق على قانون إنتخاب يسهم في تشكيل أحزاب وطنية برامجية فاعلة لا تلك التي أُريد لها أن تتكاثر كالفطر السام دون جدوى، إن قانون الإنتخاب الحالي قانون ظالم للوطن يُقسّم المُقسم، ويفت في عِضد الوطن، والسؤال الذي علينا أن نطرحه هو هل إن إعادة السلطة إلى الشعب من خلال التداول السلمي للسلطة يجب أن تكون فورية؟ أعتقد بأن الجوب كلّا! لأسباب لها ما يبررها، فحجم التدمير في بنية المجتمع أصبح كبيراً يقلل من عوامل النجاح وبحاجة مُلحّة إلى إصلاح، وعليه فلا بد من إستراتيجية وطنية صادقة، ضمن ضوابط هرمية التخطيط الإستراتيجي الشامل للدولة، تؤطر لمسارات متوازية تحقق الأهداف المرجوة، وتلغي نهج الإقصاء والإستهداف للشخصيات الوطنية الوازنة ونهج التوريث في المناصب لصالح نهج الأكثر كفاءة وأقل مطواعية للفساد تحت مظلة الدستور والثوابت الوطنية وبما يحمي نظامنا السياسي العظيم، وأن يسبق ذلك كلّه مُصَالحة وطنيّة تستوعب الشعب بكل فسيفسائه.
وإذا ما توفرت النيّة الصادقة في تغيير النهج فإن الأوراق النقاشية لجلالة الملك تَعْرِض رؤيةً واضحةً لمسيرة الإصلاح الشامل، وتُحدّد معالم الطريق على مشوار الإصلاح الطويل الصادق والمتدرج، حيث ان خيار الحكومات البرلمانية هو جزء من هذه الرؤية الشاملة للإصلاح، إلا أن الهواجس حول تبني هذا الخيار دون الإعداد له كثيرة ويتعلق جلّها في قدرة الإدارة العامة على إسناد هذا الخيار بمنتهى الحياد، وفي نفس الوقت، هل تشريعاتنا تتوائم مع هذه التطلعات؟ ان مثل هذا الإستحقاق يستدعي الإعداد المناسب والتدرج في التنفيذ، وتعزيز النجاحات المتحققة، إذ أن اي انتكاسة في التطبيق سيكون لها تداعياتها، وعليه فالنموذج الأمثل هو التقدم التدريجي في هذا الخيار وعلى مراحل تكون محددة سلفاً وضمن استراتيجية وطنية واضحة المعالم، تؤطر لها الدولة بكافة مؤسساتها وفي إطار هرمية التخطيط الإستراتيجي الشمولي في الدولة، وصولاً إلى أحزاب ناضجة سياسياً تؤسس لتداول سلمي للسلطة (حزب أو ائتلاف الأغلبية البرلمانية يقابله في البرلمان حزب أو ائتلاف المعارضة) والضامن لهذا التداول السلمي هو صلاحيات الملك من خلال دستورنا العظيم، وعليه فأنه لا بد من وضع هذه الإستراتيجة في إطار زمني يتم من خلاله تقييم الأداء، والبناء على النجاحات المُتَحَقِقة، والإستفادة القصوى من الدروس المستفادة في التطبيق، مما يبرز أهمية البدء مبكراً بخطوات تمهيدية تشمل توجيه مختلف القوانين والتشريعات بما يتلاءم ومتطلبات الحاضر والمستقبل، تشريعات عصرية تُحَصّن الإدارة العامة وتمنع تَسْيسها أو جعلها عرضة لتجاذبات الأحزاب والساسة، ما نريده في هذا الإطار مؤسسات دولة كفؤة، قادرة على حماية الديموقراطية، فالحكومات البرلمانية الكفوء هي القادرة على تسيير (الشؤون العامة) للدولة وتحقيق اهدافها الوطنية بالتنمية والرفاه، وفقاً لمعايير العدالة والشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة والفصل بين السلطات.
أرى تحت الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون له ضرام، إفْعَلْها يا جلالة الملك واعلنها ثورة بيضاء للتغيير قبل فوات الأوان، فالتغيير بحاجة إلى إرادة وقيادة، وأنت أهل لها وليس غيرك من هو أهل لها، إفْعَلْها يا جلالة الملك وستجد الوطن بقضه وقضيضه خلفك، فالتغيير فيه الخير الكثير للوطن، وسنأخذ من خلاله الوطن الحبيب إلى المستقبل، إن لم نُبادر ونفعلها سنضعف الوطن وسنسمح لأعدائه للتدخل في شؤونه، تحت مسوغات واهية نحن الأقدر على مجابهتها، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، حفظ الله الوطن وقيادته الهاشمية العظيمة.
*مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق