د. عادل يعقوب الشمايله
والاسفار هي الكتب، وخاصة الكتب الدينية المقدسة. فالحمار لا يقرأ ولا يعي و لا يميز ما يحمله على ظهره، ولا يستطيع الاستفادة من الذي يحمله. هذا الوصف القاسي اطلقه الله على من يسمون انفسهم علماء الدين. وعادة ما يتقبل العوام اضفاء لقب “علماء” على رجال الدين الذين يحفظون عن ظهر قلب نصوص الكتب المقدسة، والمتناقل من تفسيرات المفسرين “غير المُفسِرة”، ويسترشدون بفتاويهم. ولهذا ينعى الله في القرآن، على اتباع الديانتين اليهودية والمسيحية انهم ” إتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله”.
لم يقتصر تحول رجال الدين الى ارباب من دون الله على اليهود والمسيحيين، بل انتقلت العدوى بالتقليد للاسلام. وهذا ما توقعه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعبر عنه بأسى ” يا رب، ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا”. والسبب ان رجال الدين، بعد ان عجزوا عن تفسير القرآن وتأويله تأويلا مقنعا، انشغلوا عنه بالحديث وتقسيماته وتصحيحاته، وفرقعات الفقهاء المتناقضة والتي تمثل ارائهم الشخصية وما نقلوه من كتب اليهود والمسيحيين والزرادشتيه والهنود، بل والاغريق، حيث ان من قام بكتابة التراث الاسلامي، تاريخا واحاديث منسوبة الى النبي، جلهم إن لم يكن كلهم من الفرس في عهد الدولة العباسية، وهو الوقت الذي نشطت فيه الترجمة وتلاقح الثقافات.
في الهند، تم تقسيم المجتمع الهندي بتوافق بين رجال الدين والحكام، الى عدة طبقات، على قمة الهرم تجلس طبقة الاطهار وهم رجال الدين، وفي القاعدة تتكوم طبقة الملوثين untouchables اي المنبوذين الذين لا يجوز لمسهم ومخالطتهم.
مائتي مليون فرد (١٦٪) من سكان الهند تم اقناعهم تاريخيا من قبل رجال الدين والسياسة ان قدرهم ان يكونوا منبوذين وأن وظيفتهم هي الاشتغال بقاذورات الطبقات الاعلى. اذ عليهم وخاصة النساء نقل مخلفات البشر في سلال يحملوها على رؤوسهم الى المكبات. يتوارث الابناء عن ابائهم الهوية والانتماء والعمل والواجبات. بالطبع لا يتمتعون بأي حقوق.
ابناء هذه الطبقة ممنوعين من التملك وخاصة الاراضي، ومن الحصول على التعليم. ومن التزاوج مع افراد من الطبقات الاعلى وفي حالة الخروج عن هذا التقليد، وتلقي احد افرادها التعليم والبحث عن وظيفة تناسب تعليمه، يعتبر مارقا ومرتدا، يجب معاقبته واجباره على النكوص. كما انهم لا يخضعون للرعاية الصحية ويعيشون في الشوارع او علب الصفيح.
المنتمون لهذه الطبقة يشعرون بالسعادة والرضا بما يقومون به طالما انها مشيئة الارباب كما اقنعهم رجال الدين. وطالما ان حياتهم هذه هي تكفير عن الاخطاء والاثام والجرائم التي ارتكبتها الارواح التي تسكن اجسادهم حاليا بعد ان انتقلت من اجساد المجرمين والخطائين الذين ماتوا. وبالمقابل فإن الارواح التي تسكن اجسادهم حاليا هي في مرحلة العقوبة والتطهر والتحضر لحياة افضل في المستقبل عندما تنتقل لتسكن اجسادا جديدة بعد موتهم حيث يتم مكافأتهم عن معاناتهم ويعيشون حياة قادمة افضل. انها الجنة الموعودة.
هكذا يتلاعب رجال الدين باتباعهم بعد ان سلموهم قلوبهم ورقابهم والغوا عقولهم.