بقلم/ حسن محمد الزبن
تصدر وسائل الإعلام وبعض المنصات والمواقع الإخبارية ونحن على أبواب موعد رحيل مجلس النواب ألـ 19 الحالي بتاريخ 20 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وحله تمهيدًا لإجراء الانتخابات القادمة، العديد من التصريحات والقرارات لكبار وشخصيات وازنة ومخضرمة لها قواعد شعبية عريضة، سهل لها الوصول لقبة البرلمان دون أي جهد يمكن أن يبذل في حملات انتخابية، وقرروا عدم العودة للكرسي تحت قبة البرلمان، وغير راغبين بالترشح لخوض الانتخابات للمجلس النيابي العشرون. المجلس القادم لن يكون مخاض التحديث السياسي وتبعاته في التعديلات الأخيرة على الدستور وقانون الأحزاب وقانون الانتخاب، وجملة التحديثات الأخرى في الجانب الاقتصادي والإداري التي من المفترض أن تكون لحفظ التوازنات في الدولة، وما من شأنه الارتقاء بالوطن، لتحقيق الحلم والرؤية لتشكيل حكومة برلمانية عبر السنوات القادمة من عمر الدولة الأردنية؛ فمَا حدث مؤخرًا من استدراك في إقرار التعديل الأخير على قانون الانتخاب بخصوص العتبة الانتخابية أو نسبة الحسم، التي تفرض حتمية الحصول على الحد الأدنى للأصوات باشتراط القانون على أي حزب ليكون له حق المشاركة في الحصول على إحدى المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات، وعلى أساسها تستحق المَقْعَد لتكون عضوا في المجلس، لأنه ببساطة ما حدث غير متوقع ولم يكن ببال أحد، بإقرار نسبة العتبة الانتخابية التي بناء على نسبتها التي ستتصاعد كل أربعة سنة، أو بانتهاء مدة المجلس، سيؤجل الحكومة البرلمانية -على أقل تقدير- خمسة عشر عاما أو أكثر، وأن هذه المدة ستكون مدة ترقب واختبار وتهيئة لنخب جديدة قد يكون من بينها مستقبلًا من يتولى إدارة الحكومة البرلمانية التي بات حتما أنها بعيدة المنال من الْآنَ.
وليس هذا فحسب؛ حتى ما نص عليه القانون بتحديد مقاعد مجلس النواب بـ 138 مقعدًا، تقسم الأرْدُنّ إلى 18 دائرة، خصص 97 مقعدًا للدوائر المحلية في البرلمان القادم، و 41 للدائرة الحزبية الوطنية، ونسبة لكوتا على أساس العرق والدين والجنس 22.3% من مجمل مقاعد مجلس النواب، وتم اعتبار كل المحافظات دائرة واحدة باستثناء عمان 3 دوائر، واربد دائرتين انتخابيتين، ومعاملة مناطق بدو الشمال والوسط والجنوب دوائر انتخابية مثل باقي المحافظات، ما عاد هذا ملائمًا مع هذا التحول الطارئ على قانون الانتخاب، وبات واضحًا أنه يفرض أيضا تغييرًا دراماتيكيا في أسلوب الانتخابات التي تعوّدها الشارع الأُرْدُنّيّ، فقانون العتبة جاء قبل أشهر قليلة من موعد المباشرة بالانتخابات، وهذا لا ينسجم مع العمل الديمقراطي، لأنه لم يعط الوقت الكافي للأحزاب القائمة والناشئة حديثًا من تهيئة ظروفها وإعداد برامجها الانتخابية بما ينسجم مع هذا المفصل الجديد الذي فرضه المشرع في وقت عدّ سابقة ومدخل مفاجئ في العمل السياسي، ولم يتم أي حوار مع الأحزاب أو التشاور معها، حتى الأغلبية من الناخبين مواطنين لم تقدم لهم رؤية واضحة عن العتبة الانتخابية، وهم الركن الأهم في العملية الانتخابية، وهذا يخلق إشكالًا سياسيًا وقانونيًا، فالإشكال القانوني يفرض القانون الانتخابي الجديد، بأن يتم تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد مقاعدها بقانون يصدر قبل أشهر من الانتخابات، ولا يوجد ما يمنع لتغيير نظام الاقتراع قبل أشهر أو أيام حتى من الانتخابات، ولكن تغيير قواعد الانتخابات في هذا الوقت من موعد إجرائها يخلق نوع من التوجس والانكماش نتيجة هذه المعطيات الجديدة، وتحديد نسبة العتبة سيقلص من حظوظ الأحزاب الناشئة أو الصغيرة في حجز ولو مَقْعَد واحد تحت قبة البرلمان، أو قد يخلق نوعا من المغامرة السياسية ويجبر هذه الأحزاب لتغيير في أجنداتها وخططها السياسية المستقبلة، وتقبل قصرا الاندماج في أحزاب أخرى، أو تكوين حزب جديد مع أحزاب تتوافق من توجهاتها وأفكارها وميولها السياسي، أو الانضمام لتيارات سياسية قوية تكون عونا لها في توسيع القواعد الانتخابية، والتقدم نحو رأس الهرم الحزبي لأخذ مكانة أفضل وأقوى، وكل هذا يحتاج للتحضير والوقت مرورًا بالنقاشات الداخلية للحزب مع قواعده بل قد يحتاج الأمر لتنظيم مؤتمرات انتخابية لضمان سلامة الخِيار الحزبي كي لا يكون موقفه كما حصل عندما هبط قانون العتبة بالبرشوت على رؤوس الأحزاب، فمثلما ضيق الوقت والمسافة بين إقرار القانون وإجراء الانتخابات سيخلق حالات من سوء التقدير والتخطيط، فإن توفير الوقت الكافي والمرن هو الفرصة المثلى لإعداد ورشات حزبية انتخابية وآليات جديدة تخدم الحملة الانتخابية وإداراتها دعائيا وإعلاميا وتشاركيا مع القواعد الانتخابية، بدلا من تكريس كل توجهات الحزب الامتثال لمن يرسم السياسات العامة ويفرض بقانون العتبة على الأحزاب ضرورة التوافق للتقارب أو التحالف أو الاندماج مع من يتقارب مع فكرهَا السياسي ورؤاها ورسالتها التي قامت ونشأت على أساسها ومن أجلها، وهنا يجب أن نعترف أننا أمام تعميق أكثر انحدارًا نحو تفاوت الفرص بين الأحزاب الكبيرة من جهة، والأحزاب المتوسطة والصغيرة والناشئة من جهة أخرى، وهو ما يمسّ فعلا نزاهة المسار الانتخابي.
كان الأجدى أن يعرض قانون العتبة أو نسبة الحسم على المحكمة الدستورية، وهي الجهة المفترض أن تبدي رأيها في دستورية القانون، وأنه فعلا يتلائم مع المشهد العام، ويلبي المصالح الوطنية، حتى يقر الجميع مواطنين وحكومة وبرلمان بشقيه النواب والأعيان والأحزاب بمشروعيته السياسية ونزاهته؛ فنحن اليوم أمام قانون سيحكم العمل الانتخابي لأجيال قادمة، عدّ حجر الأساس لإعادة بناء المشهد الحزبي والسياسي الأُرْدُنّيّ مستقبلًا، ستكون نتاجاته ركيزة أساسية في المسيرة الديمقراطية، أما أن تأخذ النزاهة منحى آخر غير المنحى التي ينشده جميع الأطراف في العمل الديمقراطي، بدليل تسرب معلومات تفيد أن بعض الشخصيات حجزت مقاعدها في القوائم الحزبية بما يتلائم مع قدرتها المالية، وليس كفاءتها السياسية، أو اعتمادًا على قواعدها الشعبية، وهذا الفعل بحد ذاته أقل نزاهة، وعمل استباقي لا يرقى للأخلاق ويتفوق بقذارته على الرشوة الانتخابية، أو ممارسات المال الأسود في العمل الانتخابي، الذي كنا نحذر منه مرارا، ولن نستطيع أن نوقفه تمامًا، لأنه يفرض نفسه في هذا السياق وهذا السباق الماراثوني نحو قبة البرلمان، فمن الصعب أن تعين شرطي على كل مواطن ناخب، أو كل مرشح، أو كل وكيل انتخابات، فالشرطي الوحيد هو الضمير لدى كل ناخب، وكل مواطن.
القانون الجديد يفرض نفسه في تغيير نمط الانتخابات وطريقة إدارتها، فخفض العتبة الانتخابية في القوائم الحزبية المغلقة يعني 41 مقعدًا في المجلس الـ 20، ويمكن حسب التوقعات أن ترتفع إلى 70 مَقْعَد للمجلس 21 وتزيد ارتفاعًا إلى 90 مَقْعَد في انتخابات المجلس 22 من أصل 138 مَقْعَد، وهكذا….، مما يعني أننا مستقبلًا أمام مجلس نواب لا يلبي طموح الأردنيين، وسنبقى في مرحلة تجريبية منذ تطبيق الطبعة صفر(مسودة القرار أو القانون) للعتبة الانتخابية، مرورًا بالطبعة التجريبية أو الطبعة الأولى بعد نفاذ القرار وتصديقه دستوريًا، وتطبيقه بممارسة الانتخاب لمجلس النواب القادم، والطبعة الثانية وما يتبعها من طبعات مزيدة ومنقحة تستجيب أو لا تستجيب لأصوات في الشارع الأُرْدُنّيّ، أو بالرجوع إلى المجلس النيابي المنتخب، يفرضها المستقبل والأيام القادمة لضرورات مشروعة تنادي بتعديل قانون الانتخاب، وهذا سيحتاج وفق المادة 19 من الدستور الأُرْدُنّيّ لثلثي أعضاء مجلس الأمة من النواب والأعيان لكي ينظر في ذلك والتداول بشأنه.
إذا كانت الحكومة لا تتدخل في العملية الانتخابية، وعلى غير ما يظن الناخب أو المواطن ، وأن الهيئة المستقلة للانتخابات هي الجهة الوحيدة المخولة بكل ما يتعلق بالانتخابات، ولا تدخلات للحكومة بأدائها، فهل هذا القانون يحقق التعددية، وهل يعبر عن إرادة الشعب، وهل يضمن سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات، وهل من ضمانات لنزاهة الانتخابات، وهل هذا القانون يحقق مبدأ المساواة بين المواطنين على ضوء تفاوت فرص المرشحين بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة، أم أن العتبة ستكون خرق لمبدأ المساواة بين المواطنين/الناخبين؛ فالمواثيق الدولية تنص على بعض المعايير لتوصيف انتخابات نزيهة أم لا، وهي معايير مرتبطة بالاقتراع نفسه من حيث العمومية والمساواة والدورية أساسًا، ومعايير مرتبطة بنظام الاقتراع وحق كل المواطنين أن يكونوا ممثلين في الهياكل الانتخابية، ومعايير مرتبطة بالجوانب التنظيمية، ومعايير مرتبطة بالجوانب المالية واللوجستية، ومعايير مرتبطة بالمناخ العام.
إن نظام العتبة لا يعبر عن نظام التمثيل النسبي الذي طرحته لجنة التحديث السياسي، وإن كانت جزءًا منه، بل يراه البعض نظام قاسي لا يرحم، ويحقق نتائج شبيهة بنتائج نظام الانتخاب بالأغلبية، وربما نتائج مجحفة بحق بعض الأحزاب، فقاعدة نسبة الحسم أو العتبة (3% أو أقل أو أكثر) قاعدة قاسية تهدف إلى إقصاء الأحزاب الصغيرة حتما، على اعتبار أن البعض يرى أن هذه التعديلات ضرورة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، مشددًا على أنه في الدائرة المحلية هناك عدد من المقاعد يجب أن تصل إلى حد أو نسبة العتبة من مجموع من أدلوا بأصواتهم بنسبة (7%) بحيث يحصل على هذه النسبة ثلاث قوائم في الأقل، وفي حال لم تحصل تلك القوائم على النسبة تخفض النسبة في كل مرة واحد بالمائة إلى حين وصول 3 قوائم إلى نسبة العتبة، في حين يراها آخرون أنها تتعارض مع نظام التمثيل النسبي بل هي انقلاب عليه، لأنها تهدر الأصوات التي ينالها الحزب ما لم تصل إلى نسبة الحسم المقررة قانونًا.
العتبة الانتخابية أو نسبة الحسم ترتبط بعدة عوامل انتخابية ومتغيرات مستقلة أو تابعة قد تستجد، فمبدأ التخفيض لها أو رفعها ليس من الضوابط التي تحمي حقوق المرشح في القوائم الحزبية ولا حتى الناخب الذي يمكن أن يهدر صوته تبعا إلى كثافة التصويت أو العزوف عنه، وقد يجير صوته لقائمة أو شخص لا يرغب في أن يكون في البرلمان لمجرد أنه حصل على الأغلبية في التمثيل النسبي، وهذا تدخل في إرادة الناخب، وممارسة غير ديمقراطية في نقل صوته جبرا لحاضنة أخرى من قوائم الأغلبية الحزبية ويتنافى مع مبدأ تعزيز الديمقراطية، ويقلل من الوثوق فيها، هذا عدا أن العتبة الانتخابية عُدّت آلية تحفيز لها وجهين، الأول ممكن أن يصب في صالح الأحزاب الكبرى عندما تسير إرادة المشرع في اتجاه رفع العتبة، والثاني ممكن أن يخدم مصالح الأحزاب السياسية الصغيرة والناشئة عندما تتجه إرادة المشرع نحو تقليص العتبة.
أخيرًا، نحن لسنا ضد قانون العتبة التي في النهاية سيعيد ترتيب المناخ العام للدولة بما يحقق الاستقرار السياسي، ويعيد ترتيب وضع الأحزاب في الأرْدُنّ، والتخفيف من عدد الأحزاب في المجلس النيابي، التي ليس لها قواعد جماهيرية، وسنشهد أحزاب معدودة جاذبة للنخب والسياسيين بدلا من توجهاتهم لإنشاء أحزاب جديدة لن يكون لها جدوى ما لم تكن حاضنة لقواعد جماهيرية كبيرة تتناسب مع نسبة عدد السكان في الأقل في (ستة) محافظات على امتداد الوطن، وقانون العتبة فرصة للأحزاب الناشئة والصغيرة التي في معظمها عدد منتسبيها يتراوح ما بين 1000-2000 عضو، بأن تعيد النظر بفكرة الاندماج مع بعضها لتشكل قاعدة انتخابية عريضة في المستقبل تؤهلها لتجاوز العتبة الانتخابية في انتخابات قادمة، لكن كان الأجدى والأنفع قبل إقرار قانون العتبة أن تأخذ الأحزاب الأردنية الوقت الكافي للتشكل والاندماج وتهيئة الجو العام لدى قواعدها الانتخابية، المواطن، والطلاب في الجامعات، والمدارس، والعاملين في كافة القطاعات من أن يعيشوا مدّة من التنوير للاقتناع فعلا بأن يكونوا جزءًا من حواضن العمل الحزبي على امتداد الوطن، وأن يكون هذا القانون بعد الاستغناء كوتا المرأة أو الأقليات، لتحقيق مبدأ المساواة.
التمسك بقانون العتبة يُشكل منعطفًا في الحياة السياسية الأردنية والمسيرة الديمقراطية بفرض لون واحد داخل البرلمان يمثل ائتلاف حزبين كبيرين لهما أغلبية المقاعد، أو حزب واحد مهيمن على أغلبية المقاعد في المجلس، مقابل إقصاء أحزاب صغيرة وناشئة لا زالت في أول مراحل تشكّلها، ولم تأخذ الوقت الكافي لتكون على أرض صلبة، ما يعني أننا سنشهد ظاهرة قوية للإكتساح الانتخابي، وهذا لا يعبر عن إرادة الناخبين.
حمى الله الأرْدُنّ،،