قال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات إنه لا ينبغي تعليم أطباء المستقبل بمناهج الأمس، ذلك في مستهل محاضرته في ملتقى التعليم العالي الأردني الكردستاني، والذي تنظمه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتنسيق والتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الكردستانية، وهيئة تنشيط السياحة الأردنية، في مدينة أربيل.
وأستذكر عبيدات مقولة الدكتور سيثورامان كرمان “أطباء الغد يتعلمون على يد معلمي اليوم بإستخدام مناهج الأمس”، في إشارة منه إلى ضرورة التطوير والتحديث المستمر في مناهج وطرق تدريس العلوم الطبية الحديثة.
وأشار عبيدات إلى أن آفاق التعليم الطبي تحتكم للتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتطور السريع للتكنولوجيا وعلوم الطب؛ إذ تكمن أبرز المؤثرات في تغير بيئة الرعاية الصحية ودور الطبيب وتغير التوقعات الطبية والتقنيات التربوية.
وبيّن عبيدات أنه إذا ما أردنا إستشراف مستقبل التعليم الطبي، فلا بد من الوقوف على سياسات القبول، وتوفر معلومات دقيقة حول الخريجين، وتوضيح دور المساقات الإفتراضية في التخصص وفرصها وتهديداتها، ومراجعة المناهج، داعيًا إلى ضرورة التحرك نحو المسؤولية المجتمعية.
ولفت عبيدات في محاضرته إلى أن القرن الواحد والعشرين شهد تحولات رئيسية في مجال الطب، منها: تحديد تسلسل الجينوم البشري بالكامل، والطب العميق (الذكاء الإصطناعي والتعلم الآلي)، وطب الشبكات وطب Omics، وتغيير التركيبة السكانية للمرضى، وتغيير سياسات الرعاية الصحية، والطب عن بعد (الصحة الرقمية).
ووفقًا لعبيدات، فإن الإتجاهات الحديثة في الطب تسير نحو التأثير السريري لعلم الأمراض الجزيئية، وطب الجينيوم، والمعلوماتية الحيوية والبيانات الضخمة، والطب التنبئي والوقائي والشخصي والتشاركي، مضيفًا أن وظيفة التعليم الطبي الحديث تتمثّل في تشكيل وتأهيل الطالب بوصفه إنسانًا من مختلف الجوانب (فردًا ومواطنًا وعاملًا طبيًّا ماهرًا وباحثًا ومتخصّصًا).
ويرى عبيدات أن العاملين في مجال الصحة يحتاجون إلى مواصلة التعلم طوال حياتهم المهنية للبقاء على اطلاع بأحدث المعارف والمهارات، وأنه لا بد من تعليم الطلاب كيفية الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة وإدارة الحالات المزمنة، وكيفية إتخاذ الخيارات الصحية، وإدارة التوتر، والتعامل مع الشدائد، إضافة إلى تعليمهم كيف يعيشون حياتهم الخاصة.
وأكد أن التغييرات في المعرفة والممارسة الطبية، وإرتفاع توقعات المريض وصاحب العمل من الأطباء، والتقدم التكنولوجي في التعليم والرعاية الصحية، وإختلاف التوقعات من المتدربين والمشرفين والمجتمع من مهنة الطب، تمثل مجتمعة أبرز أسباب ودوافع التدريب الطبي.
وقدم عبيدات تصوّرًا حول كليات الطب المستقبلية، يتمثّل في أن تكون مدعومة بالتكنولوجيا، وذات تصميم ذكي ومرن (قاعات إستماع أقل ومزيد من غرف المناقشة الصغيرة)، إضافة إلى إستثمار المحاكاة والواقع الإفتراضي (المدرسة السيبرانية)، وتوفير بيئة تعليمية ودية وممتعة آمنة وإبداعية ومحفزة.
وحول التحديدات الجديدة، لفت عبيدات إلى أن الإرهاق بين الأطباء والممرضات آخذ في الإرتفاع، ما أدى إلى ترك عدد كبير من المتخصصين في الرعاية الصحية المهنة بالفعل أو إمتلاكهم لنية تركها، لافتًا إلى أنّ النقص في أعداد الأطباء قد يصل إلى مستويات “الأزمة” بحلول عام 2033 في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولخّص عبيدات مداخلته بالقول إن مستقبل التعليم الطبي يتغير بسرعة، مدفوعًا بالتحديات والفرص الناشئة، ما يؤكد الحاجة لأن نكون مستعدين وأكفياء لإعداد أطباء المستقبل الذين بمقدورهم تقديم رعاية عالية الجودة تتمحور حول المريض ضمن مشهد التغير السريع في الرعاية الصحية، مع ضرورة الإستثمار في البنية التحتية التكنولوجية وتطوير أعضاء هيئة التدريس لدعم التنفيذ الفعال للتعليم الميسر بالتكنولوجيا، إلى جانب تطوير أدوات وأطر تقييم موحدة للتعليم القائم على الكفاءة لضمان الإتساق والعدالة، عبر تعزيز التعليم المهني المشترك من خلال التمويل المخصص، وتدريب أعضاء هيئة التدريس، وتطوير المناهج المهنية المتداخلة.
ويسعى ملتقى التعليم العالي الأردني الكردستاني إلى توطيد العلاقات الأكاديمية والتأسيس لأرضية مناسبة للتعاون بين الجامعات، إيمانًا بضرورة تبادل الخبرات لما لها من أثر كبير في إثراء وتطوير الأداء المؤسساتي والأكاديمي والبحثي في مجتمع المعرفة المتجدد.
كما يهدف الملتقى إلى تشجيع التبادل الثقافي والطلابي، وإقامة المشاريع والبرامج العلمية والبحثية المشتركة، لما فيه مصلحة الجانبين الأردني والكردستاني.
وعلى هامش أعمال الملتقى شارك رئيس الجامعة الأردنية الوفد الأردني مباحثاتهم مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، حول آلية زيادة التعاون بين الطرفين في مجال التعليم العالي والبحث العلمي.