وإن كان مؤتمراً للمناخ، ولربما هو بعيدٌ عن السياسة، إلا أن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وكما هو حال كل مواطن أردني، يحمل هَمّ الأهل في فلسطين المحتلة، وفي غزة بالذات، في الوجدان، فلم يستطع جلالته أن يقفز عن آلام الأهل وهو يكاد يسمع أنّاتهم رغم بُعد المسافات.
وكما كان حال لسان جلالته منذ بدء العدوان على الأهل هناك، وكما عبّر جلالته من خلال كل منابر الدنيا، فقد كان ذات الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، إذ سلّط جلالته الضوء على معاناة فلسطين وأهلها، فأكد للزعماء المجتمعين بأنه لا بد لمؤتمر الأطراف هذا العام، أكثر من أي وقت مضى، أن يقر بأننا لا نستطيع الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية التي نراها حولنا، مؤكداً أنه، وفي هذه الأثناء التي نتحدث فيها، يواجه الفلسطينيون تهديداً مباشراً يطال حياتهم.
ولأن جلالة الملك يوقن تماماً بأن أخطر نتائج هذا العدوان هو إفراغ الأرض من أهلها، فقد دَوّت كلماته في جنبات المؤتمر حين حذّر من أن ما يجري في غزة هو تهجير أكثر من 1.7 مليون فلسطيني من بيوتهم خلال هذه الحرب، وأن عشرات الآلاف منهم قُتلوا وأصيبوا.
ولم يقفز جلالة الملك عن العنوان العريض للمؤتمر، وهو المناخ، لكنه، وحتى تحت هذا العنوان، فقد أشار إلى أن هذه المنطقة، والتي تقع على الخطوط الأمامية لآثار التغير المناخي، يزيد الدمار الذي تخلفه الحروب من شدة المخاطر البيئية كشح المياه وانعدام الأمن الغذائي، مشيراً إلى أن في غزة يعيش السكان على كميات ضئيلة من المياه النظيفة وبالحد الأدنى من الغذاء، وأن هذه تهديدات مناخية تزيد من فظاعة مآسي الحرب.
وفي ذات السياق فإن الملك عبدالله الثاني ركز على الفئات التي أصبحت أكثر هشاشة في فلسطين المحتلة بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل، وقال مخاطباً الحضور : أصدقائي، بينما نلتقي اليوم للحديث عن ضرورة التعامل بشكل شمولي مع تحديات المناخ، دعونا نشمل الفئات الأكثر هشاشة : الفلسطينيون الذين تأثروا بشكل كبير بالحرب على غزة.
الملك، وخلال القمة، تحدث عن مشاريع أردنية طموحة خاصة وأن الأردن دولة مستضيفة للاجئين، ومن تلك المشاريع مثلاً مشروع الناقل الوطني الذي يهدف الى توفير وإيصال المياه إلى أكبر قدر من السكان وفي كل مكان، فإنه كان، وفي كل موضع، يضع معاناة الأهل في غزة “عنوان”، وفي هذا انعكاس للذهنية الأردنية التي تعتبر أن القضية الفلسطينية، وكل ما يعني فلسطين، هو شأن أردني أولاً.
وفي لقاءاته مع الزعماء والمسؤولين العرب والأجانب الذين التقاهم الملك على هامش المؤتمر، كانت قضية غزة تتصدر الأولويات، وكان جلالته يدفع، مع كل مسؤول يلتقيه، بقضية وجوب العمل الفوري على وقف إطلاق النار، إلى واجهة المباحثات، فلا أهم الآن بالنسبة للأردن كله، وفي المقدمة جلالة الملك، أكثر من قضية غزة وأهلها لوقف آلة القتل فوراً، ومد يد العون إلى الأهل المكلومين هناك.