رقصة الحرية .. المقاومة تستمر بسرد قصتها عبر أشكال التعبير المختلفة

19 نوفمبر 2023
رقصة الحرية .. المقاومة تستمر بسرد قصتها عبر أشكال التعبير المختلفة

وطنا اليوم:صبحت رقصة لشاب فلسطيني في عام 2015، ترنداً على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة، حيث تداولها الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
اتضح أن هذه الرقصة تعبر عن أن هذه الأرض هي أرض الشعب الفلسطيني، وتسمى بـ”رقصة الحرية”، وهذه الرقصة ألهمت الكثير.
وبدأ الجميع في رقصها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتأكيد على أن هذه الأرض ملك للشعب الفلسطيني فقط.
ارنة
وبعد لحظة شعوره بأنه تمكن من ضرب جنود الاحتلال بمقلاعه، وردعهم عن الاقتراب من المنطقة التي يتحرك فيها مع رفاقه، وسط الاطارات المحترقة، بدأ يضرب قدمه اليمنى على الأرض، دافعاً بها إلى الخلف ومن ثم العكس بقدمه اليسرى، وملوحاً بيديه، ليرسم صورة تحمل في طياتها رسالة، تفيد بأن ضربات قدميه مهما تحركت على أرضه وتخبطت يمينا ويساراً، فإنه يحركها فوق أرض هي أرضه، خالقاً برقصته هالة من الجموح والحيوية، في أداء حركي يبرز قوته وصلابته وتحديه لعدوه الذي يقف قبالته متربصا به.
وقد استعاد فلسطينيون ومتعاطفون مع القضية الفلسطينية في العالم، هذه الصورة لفتية فلسطينيون خلال انتفاضات سابقة في مناطق الضفة الغربية المحتلة، وقاموا باعادة مونتاجها لتتوافق مع حالة التضامن العاملي مع الفلسطينيين الواسعة، بعيد ملية طوفان الاقصى.
فبحركات متناغمة، نسجت هذه الصورة النصر والتحدي في خيال مشاهديهها، وأفصحت بوضوح عن أنها نوع من التحدي للعدو المحتل الذي يحاول سلب أرض هذا الفتى وغيره من الفتية الفلسطينيين، لذا فقد انتشرت رقصته على مواقع التواصل الاجتماعي، وسميت بالعديد من الاسماء كـ”رقصة الحرية” أو “رقصة اصحاب الارض”، أو “رقصة الفجر”، وأضحت ايقونة فنية تعبر عن المقاومة الشعبية في فلسطين، لما جمعته بين فن الرقص والتعبير عن التحدي وصلابة المقاوم الفلسطيني، فانتشرت على نحو كبير، مصحوبة بأغان تدعم القضية الفلسطينية، ومن أبرزها الأغنية السويدية “Leve Palestina” التي منعت من العرض خلال النصف قرن الماضي.
أدى كثيرون الرقصة في احتجاجات مناصرة لفلسطين في بلدان العالم، وانتشرت مقاطع فيديو لهم، بينهم هذا الشاب الفلسطيني خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال الصهيوني قبل قرابة 5 أعوام، بالإضافة إلى نجم كرة القدم الجزائري يوسف بلايلي، الذي رفع علم فلسطين على ظهره، مؤدياً الرقصة بعد إحرازه الهدف الثالث، وغيرهم ممن بدأوا نشر محاولات رقصها في الاحتجاجات.
ليست مجرد رقصة، لكنها تحمل في طياتها رمزية عميقة تجسد إرادة الشعوب المظلومة التي تقاوم أشكال العنف الفظيعة المارسة ضدهم، ولتعبر عن الانتفاضة بطريقة فنية، تروي بالاداء الجسدي قصتهم، وتحمل رسائل صمود والتصاق بالوطن.

الهنود الحمر و “رقصة الحرية”
الهنود الحمر، أو ما يعرف أيضاً بالسكان الأصليين في أميركا الشمالية، هم مجموعة متنوعة من القبائل الأصلية، استوطنت تلك الارض قبل وصول المستوطنين الأوروبيين، كانوا يمتلكون وما يزال من تبقى منهم، يمتلكون تاريخا مغفلا، يحتشد بالتقاليد الثقافية الجميلة والفريدة، وكانوا يتعايشون بسلام مع الطبيعة، كما كانوا يعتمدون على الصيد والزراعة.
يعود أصل هذه الرقصة للهنود الحمر، إذ اعتبروا الرقص جزءا من طقوسهم، ويعرف عنهم تفاعلهم مع الطبيعة عن طريق الرقص؛ حباً في الأرض التي تشكل في معتقداتهم الحرية والبعث للحياة.
لكن مع وصول المستوطنين الأوروبيين في القرن السادس عشر، بدأ الهنود الحمر يعيشون اسوأ فترة في التاريخ البشرري، اذ شهدوا موجة من عمليات الاستعمار والاستيلاء على الأراضي، وتعرضوا لأعمال عنف واسعة النطاق وابادة جماعية، ونهب منظم، وقتل وتدمير للمحاصير والثقافة والتاريخ الهندي الاحمر.
مارست بعض قبائل الهنود الحمر هذه الرقصة، وغيرها من الرقصات التي كانت تمتاز بها قبائلهم، للتعبير عن ارتباطهم بالارض التي تعني لهم الحرية، بخاصة في اوقات الحروب، وبدايات جرائم الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها على يد الأوروبيين، وكانت تمارس لدعم المحاربين وللتعبير عن الرغبة في الانتقام من العدو الابيض، بالإضافة إلى أنها تضفي إحساسا بالنصر، وترفع من الروح المعنوية للجنود والمحاربين آنذاك.

الرابط بين غزة والهنود الحمر
في سياق متصل، يظهر النهج الوحشي ذاته، الذي استخدم لابادة الهنود الحمر في القرون الماضية، يُمارس منذ 43 يوماً حاليا على أهل قطاع غزة، ويعتمل فيه كل أشكال ومحاولات التهجير القسري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، الى جانب استخدام الأسلحة المحظورة دولياً مثل قذائف الفسفور الأبيض ضد المدنيين العزل، ما يجسّد تكراراً مأساوياً لتاريخ الظلم والقهر في كثير من بقاع العالم.
مثلت رقصة الحرية أو رقصة الفجر، مثلما عبرت عن المقاومة بلغة ملموسة في عصر الهنود الحمر، التضامن الفلسطيني، بإحيائهم لها من جديد، لتبث صورة النصر والصمود في نفوس الفلسطينيين، ولتكشف وهن الروح الصهيونية وهشاشة ادعاءاتها بالقوة، امام صلابة المقاوم وتمكسه بنضاله الذي لا ينضب، مستخدما كل الرموز الثقافية والتاريخية، ومن بينها هذه الرقصة، للتعبير عن تمسكه بأرضه ومقاومته