وطنا اليوم:ثلاثة هم أطراف صفقة لاإنسانية ومخالفة للقيم والأعراف والقوانين هي “الاتجار بالبشر” أو الاتجار بالأعضاء البشرية لا فرق؛ طرفها الأول شبكة إجرامية وخفية وخارجة على القوانين، وثانيها شخص تم التغرير به لسوء ظروفه وحاجته الماسة للمال، والثالث (مريض) مستعد لبذل الغالي والنفيس من أجل الحصول على كُلية أو غير ذلك من الأعضاء تتوقف حياته على زرعها في جسده.
من هنا بدأت رحلة النبش في قضايا الاتجار بالبشر التي استغرقت مئتا يوم تابعت خلالها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) المتورطين بهذه الجريمة بعد أن تم كشف شبكة من ثلاثة أشخاص يقيمون في بلد خارج الاردن، وكيف تم الإيقاع بأردنيين تم التغرير بهم واستغلال ظروفهم؛ ففي أروقة المحاكم روى عدد ممن باعوا عضواً من أجسادهم مقابل مبلغ من المال أنهم لا يعرفون الثمن الحقيقي الذي قبضه المتاجرون بالأعضاء من الطرف الثالث، ومع ذلك فقد أقروا رغم كونهم ضحايا بأنهم مذنبون حيث لا سبب مقنعا لما فعلوه.
ففي الأردن هناك أكثر من قانون يحظر الاتجار بالبشر منها قانون منع الاتجار بالبشر وقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان، وهناك لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بكل أنواعه يرأسها وزير العدل وهناك أرقام على موقعها تفيد بأن عدد من تم الايقاع بهم على خلفية هذه الجريمة وصل بين عامي 2021 و2022 إلى 110 أشخاص، ووصل عدد ضحايا هذه الجرائم 10 أشخاص بينهم طفل، ووصل عدد الموقوفين في مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لمديرية الامن العام 54 شخصا، وتم التحقيق مع 146 شخصا وفقا للقانون وبلغ عدد القضايا الواردة للمحاكم 70، واستطاعت المحاكم الفصل في 82 قضية بين إدانة وبراءة وعدم مسؤولية وعدم اختصاص، فيما بلغ عدد أحكام الإدانة 46 حكما.
بعد عام كامل وجد أردنيان نفسيهما بكلية واحدة فيما تبقى من أيام حياتهم أما الكلية الأخرى التي تم انتزاعها فقد تشارك مغنم هذه الصفقة
8 أشخاص توزعوا بين ثلاثة بلدان تمكنوا من الايقاع بهذين الشخصين، وتم تسهيل وتذليل كل العقبات من أجل البدء بإجراءات سفرهما كلا على حدة مقابل مبلغ مالي يصل إلى 15 ألف دولار يشكل جزءا ضئيلا مما حصلت عليه الشبكة.
قررنا أن نسمع كل التفاصيل التي ترافق تجارة البشر بين أطرافها، فقد كانت الخطة محكمة، وتتم بسرية تامة. كانت الخطة محكمة، وتتم بسرية تامة، والباحثون عن أعضاء البشر مقابل المال يستهدفون أشخاصا يعانون من ظروف اقتصادية صعبة ويبحثون عن المال.
يروي الأول قصته لهيئة المحكمة وهو يقترب من الخمسين من عمره، قائلا إنه “كان يتصفح موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فوجد صفحة مكتوبا: مطلوب متبرعون حيث تراسل عبر الصفحة ذاتها مستفسرا، ليرد عليه الطرف الآخر الذي عرف عن نفسه بـ (علي) بالتواصل معه عبر تطبيق الماسنجر، وانتهت المكالمة باتفاق على أن يتم ارسال حوالة مالية كي يجهز الطرف الأول أموره للسفر الى خارج الاردن في مكان إقامة المدعو (علي) وهناك تم استقباله والاتفاق معه على التفاصيل لانتزاع كليته في أحد المستشفيات مقابل 12 ألف دولار.
أحد البائعين لكليته عاد إلى الأردن وتلقى اتصالا هاتفيا من شخص في إحدى الدوائر الأمنية طالبا منه مراجعته، وهناك
تبين له انكشاف أمره وتم أخذ أقواله ونقله إلى مستشفى البشير حيث أجريت له صورة “الترا ساوند” ليتبين عدم وجود كليه في الجهة اليسرى، ومن ثم عرضت عليه صور أعضاء في شبكة مجرمة معروفين لدى الأردن هم من استدرجوه، ومع ذلك لم يسلم البائع من ملاحقة القانون، حيث تم اسناد تهمتين له هما جنحة التبرع بأحد اعضاء الجسم مقابل بدل مادي خلافا لإحكام المادة 10 وبدلالة المادة 4/ج من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الانسان، وجنحة التصرف بأموال وهو على علم بأنها متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون منع الاتجار بالبشر خلافا لإحكام المادة 10 من قانون منع الاتجار بالبشر.
في جلسة النطق بالحكم على بائع كليته تُلي قرار الحكم “عملا بأحكام المادة 177 من قانون اصول المحاكمات الجزائية تم ادانة “نائل” بجنحة التبرع بأحد اعضاء الجسم مقابل بدل مادي خلافا لإحكام المادة 10 وبدلالة المادة 4/ج من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الانسان والحكم عليه عملا بأحكام المادة 10 من القانون ذاته بالحبس مدة سنة واحدة والرسوم”، وهنا أكمل القاضي النطق بالحكم، وقال، “نظرا لظروف الدعوى ولما تعرض له البائع من أفعال تعتبرها المحكمة من الاسباب المخففة التقديرية، وعملا بأحكام المادة 100 من قانون العقوبات تقرر المحكمة تخفيض العقوبة بحقه لتصبح الحبس مدة ثلاثة اشهر والرسوم”، وبعد بدا نوع من الارتياح على (بائع كليته) أكمل القاضي حكمه: “وعملا بأحكام المادة 54 مكرر من قانون العقوبات وحيث تجد المحكمة ان من اخلاق المحكوم عليه وسنه وماضيه انه لن يعود الى مخالفة احكام القانون تقرر وقف تنفيذ العقوبة بحقة لمدة ثلاث سنوات من تاريخ اكتساب الحكم الدرجة القطعية”.
وفي قصة أخرى كان عامل بالتمديدات الكهربائية في إحدى المناطق القريبة من عمان يعاني من ظروف مادية صعبة استدرجه أربعة أشخاص تعاقبوا على اقناعه لبيع كليته في بلد آخر مقابل مبلغ مالي. يقول في روايته لوحدة الاتجار بالبشر والمحكمة إنه تلقى اتصالا من شخص يسمى “محمد”، وطلب منه الاجتماع به وهنا عرض عليه السفر إلى خارج الاردن ليبيع كليته مقابل 15 ألف دولار، وتم كشف أمره من الجهات المعنية بعد التحقيق معه.
وفي القصة الأخيرة تبين لـ (بترا) أن شخصا آخر باع كليته وهذه المرة كان التاجر من بلد ثالثا. يقول “البائع” للمحكمة إنه كان يمر بضائقة مالية، مشيرا الى أنه وجد على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” شخصا عرض عليه شراء كليته مقابل 12 ألف دولار شاملة إقامته وسفره من وإلى بلد خارج الاردن، فسافر إلى هناك، والتقى التاجر ودفع له المبلغ المتفق عليه وأجريت العملية وعند عودته إلى عمان تم ضبطه.
الجهات الأمنية الأردنية المعنية لا تتوقف عن البحث عن تجار الأعضاء البشرية، فتحرياتها وتحقيقاتها مع “البائع الثالث” الذي اعترف ببيع كليته أوصلتها الى هذه الشبكة وتم الحكم عليهم غيابيا كونهم يقيمون خارج الاردن وعملا بأحكام المادة 9/ج/2/3 وبدلالة المادة 3/أ /ب من قانون الاتجار بالبشر والمادة 76 من قانون العقوبات الحكم قررت “وضعهم بالأشغال المؤقتة مدة سبع سنوات والرسوم وتغريمهم مبلغا ماليا قيمته 20 ألف دينار وبواقع خمسة آلاف دينار لكل واحد منهم”.
وبينت المحكمة في قرار الإدانة للمتاجرين أن الركن المعنوي يتمثل في القصد الجنائي العام وهو العلم والإرادة وهو علم الفاعل بماهية فعل الاتجار وما سيترتب عليه من نتائج واتجاه إرادته لارتكاب أي فعل، وأخيرا، انتهت المحاكمة الى أن ما قام به المتهمون باستقطاب الضحية من خلال استغلال ظروفه المادية وعلمهم بتلك الظروف وقيامهم بالاتفاق على نقل المجني عليه الى بلد آخر وتأمين فندق له و من ثم نقله إلى المستشفى ونزع كليته وبيعها إلى شخص آخر مقابل مبلغ مالي واستغلال حاجته وظروفه المادية الصعبة، فإن هذه الأفعال تشكل كافة أركان وعناصر الجرم المسند إليه.
الخبيرة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني قالت، إن الأردن صادق على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وعلى بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، مشيرة الى ـم هذه الاتفاقيات تفرض على الدول الاطراف التزامات عدة، في مقدمتها ضرورة تعديل المنظومة التشريعية الوطنية بما يتوافق مع بنودها التي جاءت لوضع حد لظاهرة أمست عالمية وهي الاتجار بالبشر.
وتلفت إلى أن قانون منع الاتجار بالبشر الاردني يعد خطوة هامة في اطار تعزيز منظومة الحماية الوطنية ضد اشكال هذه الجريمة وكان متوافقا الى حد كبير مع بروتوكول منع الاتجار بالاشخاص ومعاقبة المتورطين بهذه الجريمة وتحقيق الردع العام والخاص في العديد من الجوانب والحالات، مشيرة الى أن إنشاء “صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر”، والمخصص لتقديم المساعدة القانونية للمجني عليهم والمتضررين من جرائم الاتجار بالبشر يعد من الخطوات الايجابية والنوعية التي تم اقرارها في الأردن لمساعدة الضحايا ورعايتهم صحيا ونفسيا وتعليميا واجتماعيا.
ويعرف القانون جرائم الاتجار بالبشر بأنها قيام أي شخص على استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال او الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء او تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الاشخاص.
واعتبر القانون أن جريمة الاتجار بالبشر تصبح ذات طابع عابر للأوطان إذا ارتكبت في أكثر من دولة، وإذا ارتكبت في دولة وتم التحضير أو الإعداد أو التخطيط لها أو الاشراف عليها في دولة اخرى، وإذا ارتكبت في أي دولة عن طريق جماعة اجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة، وإذا ارتكبت في دولة وامتدت آثارها إلى دولة أخرى.
وتشير قضايا الاتجار بالبشر إلى أن القانون الأردني غلظ العقوبات على كل من البائع والتاجر في قضية بيع الأعضاء البشرية، لأسباب وجيهة حماية للإنسان والمجتمع أهمها أن الجسد يفقد جزءا منه لم يكن موجودا عبثا قد يسبب فقدانه بوفاته.