في المواقف المفصلية التي تمر بها الأوطان، تبقى العين ترقب رجالات البلد، ومؤسساته على مختلف تخصصاتها، ففي اللحظات الفارقة، فإن ما هو مفترض أن تذوب المناصب والمراكز و”الكراسي” في ثنايا أحرف “الوطن” الذي يعتمد في الظروف الصعبة على “أكتاف” أبنائه المخلصين.
ولأن فلسطين، وأهلها، هم أخوة المصير والدم، فإن رياح أزمة غزة، هبت على كل جنبات الأردن، كيف لا وهذا البلد هو السند على مر التاريخ، لأهل فلسطين الحبيبة، فكما أن الأفراح واحدة، فإن الآهات والآلام، هي واحدة أيضاً، فما من منزل، على طول الأردن وعرضه، إلا وخالج الحزن سكانه، فكأن الشهيد هناك، هو هنا، وكأن الدماء التي تسيل هناك، تسيل هنا، وهذا ما أكد عليه، ولأكثر من مرة وفي كل مناسبة، جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حفظه الله، الذي كان صوت فلسطين الأول منذ أطل العدوان برأسه على الأهل في القطاع المكلوم.
ولأن مجلس الأعيان هو جزء أصيل من مؤسسات الأردن الدستورية، ولأنه يضم أبناء مخلصين لهذا الوطن ومليكه وعرشه، فقد هبوا ليلبوا نداء الأهل في غزة العزة سواء بالتأكيد على المواقف السياسية الثابتة للأردن وقيادته، أو من خلال مد يد العون للأهل هناك، وعليه، وانطلاقاً من روح التضامن التي تجمع الشعبين الشقيقين، الأردني والفلسطيني، فقد قدم المجلس دعماً مالياً من صندوق المسؤولية الاجتماعية الخاص بأعضائه، كمساعدات إنسانية طارئة دعماً للأشقاء في غزة، ففي حين يولي المجلس أهمية خاصة للعمل الاجتماعي والإنساني، فكيف إذا كان صوت المنادي هم الأهل في القطاع.
وأما على الصعيد السياسي، فإن مجلس الاعيان أكد أكثر مرة على لسان رئيسه دولة فيصل الفايز خلال لقاءاته مع السفراء العرب والأجانب في عمان، وخلال اللقاءات الصحفية العديدة، على دعمه المطلق للمساعي والجهود الكبيرة التي يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني دفاعاً عن القضية الفلسطينية وعلى كافة الأصعدة، لا سيما الدولية منها، خصوصاً تلك التي تهدف لمنع اسرائيل من استمرار ممارساتها العدوانية، ودفع المجتمع الدولي لوقف هذا العدوان والسماح بدخول المساعدات الانسانية والطبية العاجلة إلى أهل القطاع.
وفي متابعته الدائمة للتطورات في غزة، فقد عقد المجلس العديد من اللقاءات والاجتماعات للجانه الدائمة بهدف الوقوف على آخر المستجدات للقضية الفلسطينية، ودائماً ما جرى التأكيد خلال كل هذا النشاط على أن الأردن لم يساوم يوماً على مواقفه الوطنية والعروبية مهما كان الثمن، بل لطالما رخص الدم الطهور في سبيل قضايا الأمة والدفاع عنها وعلى رأسها فلسطين الأبية التي ما فتئ الأردن يؤكد لكل العالم، بعدالة مطلب أهلها بقيام دولتهم المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، فهذا ما لن يستطيع أحد التفريط به.
وبعد، فإن مجلس الأعيان، وبما سبق ذكره من مواقف تجاه فلسطين وغزة الحبيبة، فإنه يؤكد بأنه مؤسسة “الرجال” الذين لا يستكينون عندما يسمعون صوت الوطن، وأنين الشقيق، بل أنهم يهبون لتلبية النداء، ولربما هذا غيض من فيض مما هو قادم، فالمجلس، بكل مكوناته من مكتب دائم ولجان وأعضاء، ما زال يعمل كما خلية النحل التي لم ولن تهدأ إلى أن يسكت صوت الرصاص، ويعود الهدوء والسكينة إلى غزة وأهلها.