ترددت كثيرًا حول عنوان المقال الذي سأكتبه ، بين جرائم المحتل الصهيوني الذي تجاوز كل حد، أوعن محاولات التهدئة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، أو عن تداعيات جريمة قصف مستشفى الشفاء في غزة وانقطاع الكهرباء والوقود عنها أو عن الشهداء التي بدأت الكلاب الضالة بنهش جثثهم داخل أروقة مستشفى الشفاء، أو عن مشروع السلام وحل الدولتين التي جمّدت ولم تعد مطروحة جديًا على الإطلاق، أو عن نتائج القمة العربية والخمس وعشرون دقيقة التي استفزت الأمة العربية لفترة الغداء … أو أو …. إلخ.
وحسمت أمري في النهاية لأكتب عن والدي، بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاته، فهو يستحق أن أكتب عنه، خاصة أنني أشعر في هذه الأيام بحنين كبير إليه، فهو أب حنون وعاطفي ووطني مع أنه لم يكن نشيطًا سياسيًا.
مع أنني – بالشكل – اخترت طريقًا آخر عن الطريق الذي عاشه والدي، إلا أنه مسؤول عن استمراري بالطريق الذي سرت فيه منذ عمر مبكر جدًا، فهو لم يكن سياسيًا ولا مناضلًا، ولكنه يحب فلسطين من البحر الى النهر.
حدثني أبي عن فلسطين مئات المرات وكانت تتبسم عيناه وارى من خلالهما وهج الفرح واشتم عطر الورد ع سفوح الجبال وحقول الزيتون.
والدي شخص عادي درس حتى الرابع الابتدائي، عصامي، عاش يتيمًا، وعاش حياة صعبة بين الغلابة، فكان يعمل خياط .
أتذكر أبي وهو يجلس خلف ماكينة الخياطة الإنجليزية وقد رسمت الأيام على جبينه ثنايا الكد، وعلامات الشقاء وكان قد غزى الشيب راسه وهو يحيك الألبسة وبجانبه كان يضع راديو لاسلكي قديم على الطاولة يستمع الى الاخبار ويتابع برنامج “رسائل شوق” الذي كانت تقدمه المذيعة كوثر النشاشيبي على الإذاعة الأردنية عندما كانت الإذاعة الوسيلة شبه الوحيدة لاستقبال وإرسال الرسائل بين من هم داخل فلسطين ومن هم خارجها حيث كان البرنامج صوت الشتات الفلسطيني.
كانت شخصيته قوية وشجاعًا (قبضاي بكل معنى الكلمة) جريئًا محافظًا، لكنه يحب الحياة ومؤمنًا بالعدل وعدم ظلم أحد.
حيث عاش كريماً ومات نظيف اليد والقلب واللسان.
كم نفتقدك يا والدي