الدكتور: محمود المساد
إن كان في تحقيق “نصر غزة ” صحوة للإنسان العربي، فهل يبادر النظام التربوي لتصحيح مساره؟ وإلا، لماذا هذا الإنسان أغلى ما نملك؟ ولماذا هو رأس المال البشري؟
هل فعلًا أن الإنسان – أيّ إنسان – هو صانع أحداث وطنه؟ مُعليها، أو مُرديها، أو مُحبطها، أو محقق نصرها، أو جالب خيباتها، أو حافظ عزتها وكرامتها، أو سبب نكبتها، وحليف عارها وهزائمها؟!!.
من الواضح في معادلة الوطن، أن الإنسان هو أهم مكوناته، بل هو المكون الرئيس فيه، فهو الذي يعيش على أرضه ويحميها، ويتفاعل معها ويستثمرها، أو يهملها ويبيعها، وهو من يرسم علاقات النظام الذي يربط بين أفراد شعبها ويبني هياكلها، ويصوغ رؤيتها، وأهدافها، ويضع التشريعات التي تُترجمها واقعا مَعيشًا، ويرسم ديناميات تبادل تأثرها وتأثيرها مع محيطها المحلي والدولي. وذلك كله من أجل تقدم الوطن، وتجذير حبه، أو تركه على هامش الأحداث.
إن أهمية مكوّن الإنسان جعل منه قائدا لبُعدَي الأرض والنظام في صياغة معادلة الوطن، وهذا الذي يبرّر للنظام التربوي بذل الجهود المضاعفة في إعداده المعرفي الجيد، وتمكينه من مهارات الحياة وعلى رأسها مهارات التفكير، والتفكير الإبداعي، و تشريبه منظومة القيم المحلية والدولية المرغوبة، وتوظيفه الفاعل للتجديدات التقنية، وتجارب الدول الناجحة بعد تكييفها الأنسب لخصائصه، وسياقه الثقافي.
إن مفهوم الوطن ومضامينه لا يضاهيه شيء آخر، فهو مختلف عن مفهوم الدولة، مع أن مكونات كل منهما هي نفسها، لكن مفهوم الوطن فيما يتعلق بإنسانه، أنه هو وحده الذي يحمل وطنه بعقله وقلبه ووجدانه، ويتنقل به أنّى حلّ وارتحل، على ترابه، أو على تراب أوطان أخرى، فتراه يتمسك به ويدافع عنه ولا ينسلخ عنه أبدا. ولكن مفهوم الدولة قابل للتمدّد، فقد تتحالف دولة مع أخرى، وقد يهاجر الإنسان ليعيش في دولة أخرى، وقد يكون الإنسان مزدوج الجنسية، لكن الإنسان الوطني يبقى وطنه في قلبه، يحميه من كل العاديات صغيرها وكبيرها، ويتنفس هواءه وهو بعيد عنه غربة واغترابًا، وتبقى الحفنة من المنتفعين تحمل حقيبة سفرها، والعديد من جوازاتها.
من هنا، لا بد لنا من أن نذكر، أو نتذكر بأن النظام التربوي هو أداة الدولة في صياغة أفراد مجتمعها، وتشكيلهم بالشكل، واللون، والطعم وغير ذلك مما تريدهم عليه، فإن كان هذا الشكل لا يحقق لها أهدافها نحو المنعة والازدهار، فيترتب عليها حينئذ أن تقف وِقفة تأمّل، تراجع بها الأسباب والتحديات التي حالت دون ذلك من جهة، والتبصّر الحكيم بنوع شخوص القيادة وكفاياتهم، وأجنداتهم الخفية من جهة أخرى، وتقرر فيما بعد نوع الطرق الكفيلة بصحوتها، وسبُل نهضتها تنظيما،وتخطيطا، وعملا؛ لتحقيق منعتها وازدهارها.
ومن كرم الله ، أن جاءت إرادته، وتحقق لنا نصر غزة، وتحققت معها هذه الصحوة، وأثبتت لنا أن نومنا كان سُباتا عميقا، وأن الأوان قد حان لندرك أن الوقت من ذهب، وليس لنا إلا المبادرة إلى إعداد الإنسان الأردني والعربي قبل أن نخسر كل شيء،على الرغم من أن هذه الصحوة كانت، وما زالت شعبية، غير رسمية في مجال الوجدان الوطني.
لله درّك يا وطني!! فقد عانيت كثيرا …. حتى خَبا حبُّك أمام بريق حقائب السفر، وأشياء أخرى!