جميل النمري
عندما اقترب نصرالله من النقطة الأخيرة التي حبسنا انفاسنا بانتظارها قدم لها قائلا انه سيجيب بكل “وضوح وشفافية و .. غموض ” .. كان طريفا بهذا التعبير والتزم به فعلا.
قال ان كل الخيارات مفتوحة دون استثناء (القصد امكانية الذهاب الى حرب شاملة ) وهذا هو الجانب الغامض في الاجابة. ثم اضاف موضحا ان هذه الخيارات تعتمد على امرين 1- تطورات العدوان على غزة 2- تطورات الموقف الاسرائيلي تجاه لبنان. وهذا يعيد الغموض للموقف لكن اذا اخذنا بالحسبان كل الشرح والمقدمات التي سبقت في الخطاب فإن الرسالة المشفرة تصبح مقروءة.
بالنسبة الى تطورات العدوان نعود الى دفاع نصرالله عن قيمة ما يفعله الحزب على الحدود منذ 8 اكتوبر التزاما بدعم جبهة غزة والتخفيف عنها وهو دور كما فهمنا كاف حاليا لكن اذا احتاج الأمر واذا لم توقف اسرائيل العدوان وتوسعت في حرب الابادة حتى تحقق اهدافها المفترضة فقد يذهب الحزب الى حرب شاملة ويحتفظ لنفسه بتقدير اللحظة التي تستوجب التدخل بهذا الخيار.
بالنسبة الى لبنان ينبه نصرالله الاسرائيليين ان التوسع الى استهداف المدنيين على جبهة لبنان سيقابلة توسع من نفس النوع من طرف حزب الله. وبهذا فهو يقول للبنانيين أنه لن يكون البادىء في توسيع المعركة ما دام الاسرائيليون يحافظون على حدود الاشتباك الحالية اي تبادل هجمات على اهداف عسكرية حدودية بين الطرفين.
كنت اتوقع هذه الصيغة ونحن ننتظر خطاب نصرالله. اي ان يعرض على اسرائيل ضمنا التزام متبادل بعدم توسيع الحرب بصيغتها القائمة مهما سخنت على الحدود فلا تتوسع الى الحرب الشاملة التي تعني ان يستخدم حزب الله كل ترسانته الصاروخية التي تطال كل مكان في فلسطين المحتلة واسرائيل كل قدراتها الجوية والارضية والبحرية والمتوقع ان تدمر لبنان ولا تبقي فيه حجرا على حجر.
طبعا مرر نصرالله العرض بلغته الخاصة وبحذر بالغ يمنع الامساك بشيء محدد. لكن يمكن استخلاصه من حديثه في كل محور:
1 – دافع كثيرا عما يفعله الحزب حتى الآن باعتباره نجدة حقيقية قوية وفعالة للمقاومة في غزة وهذا في مواجه الاحراجات والاسئلة الاستنكارية لدور الحزب وشرح كيف ان المشاغلة على جبهة جنوب لبنان ادت الى سحب ثلث الجيش الاسرائيلي الى الشمال ونصف القوة الجوية .. الخ
2 – وعد بدعم اضافي حاسم للفلسطينيين اذا اقتضى الأمر بالتلويح بالحرب الشاملة، لكن ما يمكن ان ينقذه من هذا الوعد هو غموض الانذار فما هي بالضبط التطورات في الميدان التي سوف تستدعي التدخل؟ وحتى لا يبدو ما يقوله تهديدا فارغا خاطب الأمريكان والاسرئيليين بمنتهى الحدة مؤكدا الحاهزية لمواجهتهم وانهم لا يتعلمون الدروس عندما يضعون هدفا مستحيلا مثل القضاء على حزب الله او حماس.
3- قام بتبرير موقفه امام اللنانيين وطمأنتهم في نفس الوقت فالمقدمة الطويلة عن طبيعة الصراع في المنطقة والظلم المتصل للفلسطينيين والأذى العظيم الذي يلحق بكل دول الجوار وفي مقدمتهم لنان من انتصار نتنياهو في هذه الحرب تبرر دخول المقاومة اللبنانية للمواجهة لكنه تدخل موزون ومحسوب بدقة ولن يجر لبنان الى حرب شاملة بدليل ان الردود الاسرائيلية هذه المرة وبخلاف كل مرة سابقة ( بفعل قوة الردع التي تنامت كثيرا منذ حرب 2006 ) لم تتجاوز الردّ الموقعي المحدود رغم التهديدات التي ظلت تصل كل مرة من امريكا واسرائيل لكنهم لم ينفذوا اي تهديد.
الرسالة العامة التي اعلنها نصر الله كهدف واقعي هي وقف العدوان وهذا يعني ان تدخل حزب الله ليس للتأزيم وتوسيع الصراع وادخال المنطقة في اتون لهيب شامل بل الضغط من اجل وقف الحرب وهو مطلب عادل انساني تشترك فيه كل الدول العربية وكل صاحب ضمير في العالم.
اذن اين سيذهب حزب الله ؟ وماهي الرسالة التي نقرأها في الخطاب؟ بعبارة واحدة الحزب سيواكب الحرب على غزة بمشاغلة مستمرة على الحدود وقد يرفع سخونة العمليات بقدر ما يستمر العدوان الوحشي لكن دون خرق قواعد الاشتباك أي دون استخدام أية صواريخ لقصف العمق الاسرائيلي. مع ملاحظة صغيرة في الاسفل أن هذا ليس شيكا على بياض .