وطنا اليوم:خلف شارع الجيش الكائن في وسط الزرقاء وفي آخر المجمع القديم للباصات كان يفترش الأرض هواة تجارة الطيور كل ليلة خميس وحتى صباح اليوم التالي لبيع وشراء الطيور، لكن ولأسباب تنظيمية تم منعهم من البيع في بداية العام، لتأتي لاحقا “كورونا” حاملة معها سياسات التباعد الاجتماعي وفرض حظر التجول لتحلّق معها الأضرار في تجارة أصحاب البسطات والمحال في سوق الطيور الشعبي.
تتميز الأسواق الشعبية بمرونتها العالية واستجابتها لمتغيرات العمران ولمقتضيات التوسع والنمو في المدن، كما أن العاملين في ميدان البيع الشعبي عموماً يتمتعون بدراية عالية وذكاء خاص في اختيار مواقعهم وبضائعهم، وهم على معرفة كاملة بمتطلبات زبائنهم، إلا أن “كورونا المستجد” وتبعاته حطم كل الآمال بتحقيق ربح إضافي لبعض الهواة والتجار في المنطقة، إذ أعلنت الحكومة يوم الثلاثاء الماضي عن حظر شامل ليومي الجمعة والسبت من كل أسبوع حتى إشعار آخر كإجراء وقائي لمنع تفشي الوباء.
تنشط الحركة التجارية لبيع الطيور في الزرقاء أيام الجمعة والسبت، وفي ضوء ذلك يتخوّف نبيل عيسى، صاحب محل لبيع الطيور، من استمرار الحظر الشامل أيام الجمعة والسبت، قائلا: “أكيد الطيور اللي عندي رح يموت منها كثير، لأنه يومين بدون أكل وماء”، بناء على ذلك حمل نبيل مجموعة من الطيور إلى منزله، قبل حظر يومي الجمعة والسبت، حتى يتفقدها يوميا إلى جانب ما يقارب 500 طير يرعاها أخوته ووالدته على سطح المنزل في أحد أحياء الزرقاء.
يشارك محمد البلوي، عامل في أحد المحلات في سوق الطيور مخاوف نبيل “نحن مستنفرين بعد قرار الحظر الشامل أيام الجمعة والسبت في طيور لازمها متابعة يومية ولازم نأخذهم على منازلنا مثل طير الببغاء، غير هيك بموت وخسارتنا بتصير مضاعفة”.
يعمل البلوي منذ عشرة أعوام في محل الطيور ويحصل على أجرة يومية متفاوتة، تصل في معظم الأحيان إلى 10 دنانير، وحول تعطل عمله يومي الجمعة والسبت؛ يعبّر البلوي لـ”المرصد العمّالي” عن تقديره لكل الخطط الرامية إلى الحفاظ على المصلحة العامة، لكنه في ذات الوقت مستاء أنه تحمّل خسارة أيام العطلة هذه “الجمعة والسبت رايحين من راتبي، عندي ولاد والتزامات، بس مين سائل؟”.
إضافة إلى أن جميع العاملين في سوق الطيور الشعبي وأصحاب المحال التجارية يتحملون تكلفة الحظر الشامل والحظر المسائي الجزئي؛ فإنهم غير مشمولين بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين صحي، بحسب مشرف السوق محمد العماري.
بعد تعمّق الأزمة وبروز معالمها أكثر، بدت قلة الاهتمام وابتعاد المواطنين عن تربية الطيور أكثر وضوحا مما أثرّ على حركة البيع والشراء في سوق الطيور الشعبي، حتى على نبيل الذي وصل ربحه من بيع الطيور قبل الأزمة إلى ما يقارب 400 دينار شهريا، أمّا الآن وفي ظل “كورونا” يقدر ربحه الشهري بـ 150 ديناراً، مقابل التزامات شهرية تصل إلى 350 ديناراً بين إيجارات للمحلات التي يملكها وأعلاف الطيور والتزامات أخرى، مضيفا إلى ذلك، أنه “كنا نبيع الخلايجة الطير الشامي بـ 50 و60 دينارا، بس لما انقطعت السياحة والمطارات سكرت والأزمة طولت؛ شغلنا خف”.
يوجد في الزرقاء سوقين للطيور الشعبية يقدّر عدد العاملين فيهما بـ 120 شخصاً بين أصحاب محلات وعاملين لديهم، يقع السوق الأول وهو (خاص) في مجمع الملك عبد الله (المجمع القديم) ويوجد فيه 56 محلا للطيور، أمّا الآخر (وهو يتبع لبلدية الزرقاء) يقع في مجمع الأمير راشد (المجمع الجديد) يوجد فيه 60 محلا لبيع الطيور، بحسب عماد المومني رئيس بلدية الزرقاء.
يقول المومني إنّ أسواق الطيور الشعبية تلقى رواجا كبيرا في محافظة الزرقاء، وأن التجارة في هذه الأسواق تأثرت بشكل كبير نتيجة الحظر المسائي الذي لم يتوقف منذ بدء الجائحة، والحظر المتذبذب أيام الجمع، لافتا إلى أنّ بلدية الزرقاء قامت بخصم يصل إلى 25% من إيجارات المحلات التابعة للبلدية؛ شريطة أن يتم الدفع قبل نهاية السنة، وهذا ما لم يستفد منه العاملون في سوق الطيور (الخاص) غير التابع للبلدية.
وكانت نتيجة الإغلاقات المتكررة للسوق والحظر الشامل الذي يتم تنفيذه في أشد الأيام حركة بالنسبة لبيع الطيور (الجمعة والسبت)، هجران الكثيرين مهنة تجارة الطيور، وإغلاق آخرين محالهم مفضلين العمل من المنزل، بحسب أصحاب محال تجارية التقاهم “المرصد”.
في سياق مواز، يلفت البلوي وآخرين كثر ممن التقاهم “المرصد العمّالي الأردني” في سوق الطيور الشعبي، أنّ حركة البيع في سوق الطيور انخفضت بشكل كبير أيام الحظر الشامل وبعدها، وهذا ما أكده أيضا أحمد قزعة عضو في جمعية الطيور الأردنية: “استيراد الطيور من خارج الأردن انخفض إلى أكثر من 50%” وذلك بسبب عدم إقبال الناس وتخوّفها من صرف أي مبلغ مالي على غير حاجتها الأساسية، مما هدد عمل التجار في القطاع.
وحول عدد أسواق الطيور الشعبية في المملكة وعدد طيور الزينة المستوردة من الخارج لعامي 2019 و2020 وجهنا أسئلتنا إلى معنيين في وزارة الزراعة لكي نستطيع المقارنة بين العامين والاستشهاد بدليل حول تراجع عمل القطاع، إلا أننا لم نتلقى إجابة. إلى ذلك، يستدرك قزعة حديثه قائلا بأنه يجب تنظيم القطاع بين وزارة الزراعة وأصحاب المحلات التجارية والجمعيات المعنية لكي يصبح العمل في القطاع أكثر فاعلية ويحقق شروط العمل اللائق والمستدام للعاملين فيه.
يرى البلوي أن العمل في قطاع “ترفيهي” أمر متعب، إذ يتأثر العمل بالحركة الاقتصادية بشكل كبير، “الناس إذا كانت تصرف على الطيور كانت تصرف من أجل الرفاهية أو التسلية وتشتري طيور زينة، بس هسا الناس صارت تضب المصاري على اللي مخبيته كورونا، ومش معروف شو مخبية”.
يصل متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على الثقافة والترفيه في مدينة الزرقاء إلى 250 ديناراً للأسرة الواحدة، ويصل في المملكة ككل إلى 330 ديناراً، فيما يصل أعلى انفاق للأردنيين على المسكن والمياه والكهرباء والغاز ما يقارب مبلغ 3000 دينار أردني، يليه مباشرة الإنفاق على النقل بقيمة 2000 دينار سنويا، وذلك بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامّة لعام 2018 حول متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على مجموعة السلع والخدمات.
كان سوق الحمام الشعبي من الأسواق التي من المفترض أن يتم إغلاقها بالتزامن مع إغلاق كافة الأسواق الشعبية في المملكة، بعد قرار الحكومة بإغلاق صالات المطاعم والمقاهي والأسواق الشعبية، منتصف أيلول، إلا أن العاملين في سوق الطيور رفضوا هذا القرار، موضحين ذلك بقولهم: السوق فاضي، ما في تجمعات، وما في ناس أساسا، كم زبون بيجو علينا باليوم، يعني بدهم يحرمونا الشغل”. استجابت الأجهزة الأمنية لمطلب أصحاب المحلات في سوق الطيور وأبقت على السوق مفتوحا في تلك الفترة وألزموهم بالتباعد الاجتماعي، والوقاية، بحسب ما رواه أصحاب محال الطيور أثناء جولة لـ”المرصد العمّالي الأردني” في السوق”.
يقول العماري، مشرف على سوق الطيور الخاص: قبل الجائحة كان يعمل في السوق أكثر من 100 بائع للطيور، “كل محل كان يشغل واحد على الأقل، بس بعد الأزمة صار بس صاحب المحل هو الذي يدير محله لحاله واستغنى عن العاملين لديه، لينضموا بذلك إلى صفوف العاطلين عن العمل والذين ارتفعت نسبتهم من 19.3% في الربع الأول من عام 2020 إلى 23% في الربع الثاني من ذات العام.
وبعد فترة الحظر الشامل في شهر آذار وما لحقها من قرارات مرتبطة بحظر أيام الجمع وحظر التجول بعد الساعة 12 ليلا، أغلق الكثيرين محالهم وبدأوا البحث عن عمل في مكان آخر، بحسب البلوي.
وبحسب وزارة العمل فإن عدد العمال الذين تم إنهاء خدماتهم من المنشآت التي يعملون فيها حتى نهاية شهر أيلول تقدر بـ 8 الاف و287 عامل وعاملة. فيما لم توجد أية أرقام واضحة حول إنهاء خدمات العمالة غير المنظمة التي يبلغ حجمها نحو 48% من إجمالي القوى العاملة في الأردن.المرصد العمّالي الأردني