الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
الأردن الدولة الأكثر التحاماً بالقضية الفلسطينية وهو الاعلم بها وبالمخططات الصهيونية منذ عهد الانتداب البريطاني الذي مهد لظهور دولة إسرائيل عام 1948، ومنذ ذلك التاريخ والدم الأردني امتزج بالدم الفلسطيني على تراب فلسطين دفاعاً عنها، والأردن الأكثر خبرة في التعامل مع الحكومات الإسرائيلية المختلفة ومنها الحكومات المشكلة برئاسة المتطرف نتيناهو، وهو الأكثر تشكيلاً للحكومات الإسرائيلية منذ عام 1996 والأكثر تطرفاً على الاطلاق.
الأردن، يعلم أكثر من غيره بان نتيناهو، هو الأكثر انتهاكاً للاتفاقيات والتفاهمات والتلاعب بها، والأكثر تنفيذاً للمشاريع الاستيطانية لتقطيع أراضي الضفة الغربية تمهيداً للالتفاف على الشرعية الدولية والعمل على الغاء فكرة قيام الدولة الفلسطينية، ووصلت قمة عنجهيتة(نتيناهو) في التعامل مع المنطقة بعد ان استطاع انتزاع الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وإعلان صفقة القرن في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية والتخلص من أي التزام لقيام الدولة الفلسطينية.هذه الخطة التي اصطدمت بالجدار الأردني المنيع بقيادة جلالة الملك، وهو الذي رفضها منذ اللحظة الأولى وتمسك بتنفيذ القانون الدولي وقرارات مجلس الامن والتي كان يجب ان تكون قد نفذت منذ عقود وتوجت بإنشاء الدولة الفلسطينية. ان الموقف الأردني الثابت منع تمرير تلك الصفقة وعلى الرغم من الضغوطات المختلفة التي كانت تمارس عليه.
الأردن على اطلاع تام بالمخططات الإسرائيلية من وراء التخطيط لبناء جدار على طول حدوده، والتي تقطع الطريق امام أي حل سياسي قد يتم التوصل اليه مستقبلاً. ان فكرة بناء الجدار تبعها تعديلات قضائية (وهو شأن إسرائيلي داخلي) في بداية هذا العام، والتي من أهدافها ترتيب العلاقة مع الفلسطينيين، وذلك تمهيدا لتمرير قانون يسمح بضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل والعمل على تهجير أهلها (وهذا لن يسمح به الأردن مطلقاً)، كما سبق وان تم ضم اراضي الجولان المحتل.
ان ما يجري في الأراضي الفلسطينية وخاصة في غزه خلال السنوات الماضية من حصار وتجويع وقتل، حتى وصل الامر الى قطع الماء والغذاء والدواء(يشكل اركان جريمة الإبادة الجماعية والمحرمة في كل القوانين والديانات والأعراف الدوليةعبر التاريخ البشري) وهي اشبه بتلك التي كانت تتم من قبل المنظمات الصهيونية في إبادة القرى الفلسطينية في القرن الماضي لتهجير أهلها والاستيلاء عليها وتغير معالمها التاريخية والعمرانية.
ان ما يجري في غزة من مذابح جماعية (مع ايماننا المطلق بعدم جواز سفك دماء الأبرياء من البشر مهما كان جنسهم او عرقهم اودينهم، انصياعاً لقوله تعالى” من قتل نفساً بغير نفس او فسادً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”) تعتبر جرائم حرب بامتياز واخرها مذبحة المستشفى المعمداني التي وقعت قبل ساعات معدودة من لحظة اعداد هذا المقال (مساء الثلاثاء 17/10/2023)، تبعها موقف أردنيمشرف ومتقدم للغاية بإلغاء القمة الرباعية التي كان من المفترض عقدها في عمان الأربعاء 18/10/2023. ان هذه الوحشية في ارتكاب المجازر تهدف الى تهجير الفلسطينيين من سكان غزة الى سيناء، وهو الهدف الأسمى لحكومة المتطرف نتيناهو، وهو الذي سبق وان طلب من الرئيس المصري الراحل حسني مبارك ان يقبل بتوطين اهل غزة في سيناء، الامر قوبل بالرفض القاطع من القيادة المصريةانذاك، وكما هو الحال في الوقت الحالي.
اننا في الأردن نقف خلف جلالة الملك برفض المخططات الإسرائيلية الهادفة الى تهجير اهل الضفة والقطاع وتفريغ الأرض من أهلها لتصفية القضية الفلسطينية، والتي اعتبرها الملك خطاً احمر لا يمكن قبوله مهما كان الثمن، كما وان الملك استطاع تغير الرأي العالمي خلال جولته الأوروبية هذا الأسبوع موضحاً للعالم رواية تختلف عن الرواية الإسرائيلية والتي حاولت إسرائيل خلط الأوراق بنشر اخبار ومعلومات كاذبة (التي تبنتها بعض وسائل الاعلام العالمية في بداية الازمة يوم 7/10/2023)، وهي عادة نتيناهو الذي لم يصدق يوما الافي تنفيذ الاعمال الاجرامية.
لقد سبق وان حضر جلالة الملك دول العالم الكبرى من خطر اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ستؤدي الى انهيار كامل للقانون الدولي، كما وتوقع مسبقاً بان المواجهة مع الحكومة الاسرائيلية المتطرفة قادمة، وحذر العالم من تطرفها.
لقد حان الوقت لدول العالم الكبرى من ترجيح العقل والتقيد بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية والتي لا يمكن تجزئتها، والاخذ برأي القيادة الأردنية المتقدم على الجميع وكبح جنون الحكومة الاسرائيلية المستمرة بارتكاب المجازر الواحدة تلو الأخرى والعمل على انقاذ سكان غزة من اعمال الإبادة الجماعية، كما وعلى العالم اجمع ان يدركبانه لا يمكن تجاوز دور المملكة الإقليمي في أي طروحات او حلول مهما كان نوعها، وان الأردنلديه الكثير من الأوراق والقادر على استخدامها لحماية امنه واستقرار المنطقة.