وطنا اليوم- نشرت الاندبندنت في مقال تحليلي رصدته وطنا اليوم تحت عنوان “لماذا تغيرت لهجة عمّان الرسمية تجاه دمشق؟” جاء فيه :
لمس مراقبون ومحللون تغيراً واضحاً في لهجة الأردن الرسمية تجاه دمشق بعد استفحال عمليات تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري، معتبرين أن رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أدار ظهره للمبادرة العربية التي تعهد فيها بالعمل على وقف التهريب والبدء بخطوات عملية لضمان عودة اللاجئين السوريين. جاء ذلك وسط معلومات عن لقاء جمع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بنظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، دار النقاش فيه حول استمرار أزمة تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري. وبحسب المعلومات فإن طهران هي من طلبت هذا اللقاء وعرضت خلاله دور الوساطة في هذه الأزمة، في وقت يقول مراقبون إن إيران تسعى من خلال ذلك لامتلاك ورقة ضغط على الأردن. تصريحات حادة وأدلى الملك الأردني عبدالله الثاني بتصريحات حادة انتقد فيها النظام السوري، كما ألمح إلى دور إيران في مشكلة تهريب المخدرات والسلاح، وأعرب الملك الأردني خلال قمة الشرق الأوسط في نيويورك الأسبوع الماضي عن شكوكه إذا ما كان الأسد يسيطر على سوريا في ضوء المشكلة الكبرى بين البلدين المتمثلة في تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأراضي الأردنية، وقال إن “الأسد لا يريد أن تحدث عمليات التهريب، وأيضاً لا يريد صراعاً مع الأردن، لكنني لا أعرف مدى سيطرته”، متهماً إيران وعناصر داخل حكومة دمشق بالاستفادة من ذلك. وتطرق إلى الاحتجاجات المستمرة في جنوب سوريا وتحديداً في مدينة السويداء محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تدفق جديد للاجئين إلى الأردن، مضيفاً “لا يمكننا أن نتحمل المزيد، نحن مثقلون بالفعل، لقد تضاءل الدعم الدولي بشكل كبير”.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أدلى أيضاً بتصريحات مماثلة ألمح فيها إلى عمل عسكري جديد، وأكد مواصلة بلاده العمل لحماية أمنها ومصالحها من تداعيات الأزمة في سوريا وتهريب المخدرات، وأضاف الصفدي “لن نسمح بإدخال المخدرات وكل ما تسببه من كوارث إلى الأردن”، واصفاً عملية تهريب المخدرات بأنها “عملية منظمة” وبأن المهربين يمتلكون قدرات كبيرة، كما تحدث الصفدي عن وجود مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية مسؤولة عن التهريب.
زيادة عمليات التهريب
وأكد الخبير في الشأن السوري صلاح ملكاوي أن ثمة منحى متصاعداً لاستهداف الأردن عبر سوريا منذ أسابيع، عبر زيادة في عمليات التهريب للمخدرات فضلاً عن أسلحة نوعية ومتفجرات، خلافاً للتفاهمات التي تعهد بها النظام السوري، وهو ما يفسر تصعيد حدة اللهجة الأردنية. وأضاف ملكاوي أن النظام السوري تعهد بعيد القمة العربية في جدة بالتعاون مع الأردن وتقديم معلومات وإحداثيات وأسماء تتعلق بتهريب المخدرات والسلاح، لكن أياً من ذلك لم يحدث، وتابع ملكاوي أن الأردن مقبل على اتخاذ قرارات تصعيدية وتغيير قواعد الاشتباك وتنفيذ عمليات عسكرية جديدة قد تصل لاحقاً إلى تدخل عسكري في الجانب الحدودي مع سوريا، أو إنشاء منطقة آمنة إذا ما استمر التهديد الذي يمثله تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري. وأشار إلى معلومات خاصة عن تورط ضباط كبار في النظام السوري في عمليات تهريب السلاح والمخدرات بشكل ممنهج لاستهداف الأردن، ما أوصل صانع القرار في الأردن إلى أن الأمر لم يعد مجرد عمليات تهريب تقوم بها ميليشيات أو تجار، وإنما استهداف مباشر للأردن وأمنه.
وتوقع ملكاوي أن يقوم الجيش الأردني بالرد على استمرار هذا الاستهداف عبر عمل عسكري نوعي أكثر من مجرد تنفيذ غارات جوية، بحيث يظهر جديته بعدما استنفذ كل الفرص الدبلوماسية والسياسية، وحذر من أن الأردن لن يقف متفرجاً إزاء ما يحدث في مدينة السويداء الحدودية مع الأردن، مؤكداً أن السلطات الأردنية لديها معلومات عن قرب تفجير الأوضاع في هذه المدينة، وبالتالي تهجير قاطنيها إلى الأردن، في وقت تحاول عمّان الضغط على دمشق للبدء بحملة إعادة طوعية للاجئين.
سيناريو المنطقة العازلة يقترب
بدوره قال المحلل السياسي والكاتب ماهر أبو طير إن شبكات التهريب في الجنوب السوري تديرها جهات منظمة تسعى إلى تهديد أمن الأردن وزعزعة استقراره عبر محاولات إغراقه بالأسلحة والمخدرات والمتفجرات ودعم الخلايا الإرهابية، وأكد وجود تلميحات رسمية أردنية حول اللجوء إلى مستويات أعلى من القوة تتجاوز العمليات الجوية، بخاصة في ظل سلبية السوريين وعدم تجاوبهم مع أي متطلبات تخص الأردن، ومن بين هذه المطالب وجود قوات عسكرية سورية على طول الحدود بين البلدين، وإلقاء القبض على رؤساء عصابات المخدرات وسحب كل الميليشيات الأجنبية من المنطقة الحدودية. ووصف أبو طير الملف السوري بأنه لم يعد مجرد صداع مزمن للأردن بل تحول إلى هاجس مع مخاوف من موجات هجرة جديدة من السويداء في حال تفجر الأوضاع فيها، لكنه استبعد أي تدخل عسكري أردني مرجحاً التدخل الدولي والإقليمي لإقامة منطقة عازلة.
ورأى أبو طير في تصريحات الملك الأردني مؤشرات حيال طريقة التعامل مع الخطر الذي يستهدف الأردن من سوريا، وقد يكون الحل دولياً بفرض منطقة عازلة لدرء الخطر عن المنطقة ككل.
واعتبر وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن تعقيدات الملف السوري بالنسبة إلى الأردن تتزايد، مشيراً إلى أن النظام السوري أدار ظهره للمبادرة العربية لإعادة تأهيله عربياً ودولياً وأضاع الفرصة، ورأى أن بقاء الملف السوري بهذه الحالة لا يخدم الأردن لأن بقاء الأزمة بلا حل خطر، لافتاً إلى أن التمدد الإيراني في سوريا ليس فقط على صعيد الميليشيات بل ثقافي وعسكري واقتصادي.
ووصف المعايطة حرب المخدرات من الجهة السورية بأنها حرب ممنهجة يستفيد منها النظام السوري بحوالى 6 إلى 8 مليارات دولار سنوياً، ولذلك لم يصدقوا مع الأردن ولم يفوا بوعودهم. وتابع، “ثمة عملية تهريب مسيسة وأمنية ضد الأردن يقابلها تعامل غير جاد وغير حازم من الجانب السوري، ولذلك فقد يكون هناك تحالف دولي ضد هذا الأمر قريباً”، مشيراً إلى أن نبرة الملك الأردني في خطابه كانت قوية جداً وتحذيرية، وفيها إشارة لإيران التي لديها عقدة سياسية وأمنية تجاه الأردن، فهي لم تنجح منذ الثمانينيات في اختراق المملكة على رغم أنها اليوم على بعد خطوات من الحدود المشتركة مع سوريا.
استهداف بكل الطرق
يشار إلى أنه ومنذ بداية العام الحالي تم تسجيل 88 حالة طيران مسيرة على واجهات المناطق العسكرية المختلفة، وفق بيانات القوات المسلحة الأردنية، إضافة إلى التصدي لما مجموعه 194 عملية موزعة بين 81 محاولة تهريب أو تسلل، و98 عملية تسلل مضبوطة، و15 عملية تهريب مضبوطة، ونتج من هذه العمليات ضبط كميات كبيرة من المخدرات.
وأشارت بيانات القوات المسلحة الأردنية إلى استخدام المهربين البالونات الطائرة مختلفة الأحجام لتهريب المواد المخدرة، وكذلك المقذوفات عبر تفريغ الحشوات الداخلية لتهريب المخدرات باهظة الثمن، إضافة إلى الطائرات المسيرة الآتية من الجنوب السوري.