بقلم: د. ذوقان عبيدات
هذه مقالة تتعلق بالكتب الجديدة التي أصدرها المركز الوطني لتطوير المناهج هذا العام، وستعقبها مقالة أخرى، تتناول المشتركات بين الكتب للتعرف على فلسفة هذه الكتب ومدى تقدمها، وملاءمتها لمعايير الإطار العام للمناهج مثل: جذب الطلبة لحب اللغة، وارتباطها بحاجات الطلبة والمجتمع.
(1)
وصف الكتاب:
كالعادة، اشتمل الكتاب على مقدمة وخمس وحدات، في كل وحدة خمسة دروس. تناولت الوحدات الموضوعات الآتية:
– أتحمل مسؤوليتي وهي وحدة دينية.
– وطني الأجمل وهي وحدة تركز على جمال عمان واليمن.
– على درب العلماء. تناولت زويل، وابن سينا وغيرهما.
– الرياضة حياة.
– من أدبنا القديم
احتوت المقدمة على ما يأتي:
انبثق الكتاب وغيره من قيمنا الإسلامية والوطنية الراسخة، وانسجامها مع موروثنا الثقافي، ومراعاتها لفلسفة التربية وخصوصية المجتمع الأردني. كما اشتملت على عبارات مثل: إن الدروس ارتبطت بحياة الطلبة وواقعهم، ومهارات القرن الحادي والعشرين، والقضايا والمفاهيم العابرة للمواد، وليس في المقدمة إشارة للإطار العام للمناهج، وحددت محاور اللغة الخمسة وهي: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، والبناء اللغوي.
(2)
ملاحظات تفصيلية:
أولًا- احتوى الكتاب على اهتمامات الوصف، والرياضة، وحيدر محمود، وزويل، ولطائف أدبية. وخاطبت الوحدة الأولى موضوع المسؤولية، وقدمت لها بآية قرآنية كريمة تشير إلى المسؤولية: “وسترَدُّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئّكم بما كنتم تعملون”. وفي هذا وضوح تام أنهم يتحدثون عن المسؤولية في الآخرة، وليست المسؤولية الدنيوية، والمنطقية والقانونية! فأجّل الكتاب المساءلة إلى يوم القيامة!
طبعًا لا نتحدث في الدين؛ إنما المسؤولية الحياتية التي تفيدنا بحياتنا إلى جانب المسؤولية الدينية هي في المساءلة القانونية، والمحاسبة، والسلوكات اليومية.والالتزام الأخلاقي والأدبي والالتزام بالنزاهة ومكافحة الفساد. ولم يذكر الكتاب أي كلمة عن النزاهة والفساد. واستمر الحديث عن المسؤولية في الحياة الأخرى، حيث احتوت الوحدة نفسها على عشرين نصّا دينيّا ما بين آية كريمة، وحديث نبوي شريف. وتحت عنوان: من صور المسؤولية ص 12 على خمس “صور” من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وهي جميع الصور التي اشتمل عليها العنوان،ولم يرجع المؤلفون والمؤلفات إلى أي نص قانوني، أو مثل شعبي يعكس حياة الطلبة التي قالوا: إنهم يستلهمون نصوصهم منها.
ولكي أطَمئِن أي قناص، فأنا أصف ولا أعترض! فمن يجرؤ على الاعتراض على عمل حكومي يقوده تربويون محنّكون مدوّرون، خاصة وأننا نقترب من تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية؟
وفي تعريف المسؤولية ص(20)؛ المسؤولية واجب “مقدس” امتثالًا لقول رسولنا الكريم: كلكم راعٍ…. قدم الكتاب ص(13) مفهومًا للمسؤولية في الإسلام تتعلق بمسؤولية الفرد عن عقيدته، وعبادته، وعلمه، وعمله. أكرر أنني أصف فقط ما في الكتاب، وليس لي رأي هنا!
طبعًاقدّم الكتاب أمثلة على مسؤولية مدنية لمعلم، وطالب، وشاب، وطلبوا كتابة فقرة عن كل منهم، لكنّ المسؤولية المحور لم تكن هذه!
ثانيًا- “أبدع ” الكتاب في تحديد مظاهر عناية فدوى طوقان بأخيها إبراهيم ص(9)، وذلك بتحضير المائدة له في أوقات وجباته، وتنظيف الأرض، وترتيب غرفته، وتهيئة الماء الساخن له كل صباح، ومرافقته إلى العمل – ولا أدري لماذا- الخوف عليه من المرض. بل وطلبت المؤلفات والمولفون من الطلبة تصنيف مظاهر عناية فدوى بأخيها إبراهيم في عمود خاص. وتصنيف مظاهر خوفها عليه في عمودٍ ثانٍ، ولم يكتفوا بهذا، بل وضعوا عمودًا ثالثًا يبدع فيه الطلبة عن مظاهر خدمة أخرى، لم ترد في النص!!
هنيئًا لك يا إبراهيمُ بالتطوير التربوي! وهنيئًا لك بالمؤلفين، وهنيئًا بالمركز الوطني للمناهج!
وأقترح على الدولة توزيع أوسمة لنضالهم في استعادة حقوق”سي السيد” !
مين قدّك يا إبراهيم!!
وأخيرًا؛ أنصفك التطوير يا إبراهيم!
ثالثًا- وفي الوحدة الثانية المعنونة؛ “وطني الأجمل”، قدّم المؤلفون بيت شعر لابن الرومي:
ولي وطن آليت ألّا أبيعه ……. مما يشير إلى اختلاف المضمون عن وطني الأجمل! طلبت الوحدة وصف البترا، وقصيدة حيدر محمود الرائعة عن عمان- وقدمت نصّا عن “اللام ” القمرية، و “اللام” الشمسية وليس لهما علاقة بالوطن، ثم نصّا عن جمال اليمن.
أمّا الأمثلة، فليس فيها ما يشير إلى وطن؛ نادٍ صيفي، القاضية، مؤتمر التطوير، إنشاء جيل متسامح، ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. إلخ. ويبدو أنهم اكتفوا بجدائل عمان. وبذلك لا يوجد نصّ عن الأردن وجماله ، فحين يكون العنوان “وطني الأجمل” فمن حق أي طالب أن نحدثه عن الأردن ! مع أن عمان هي مركز الأردن!
أما الوحدة الثالثة، فعنوانها: “على درب العلماء”، قدم للوحدة بشعر للإمام عل رضي الله عنه؛
العلم زين فكن للعلم مكتسبًا، …. ثم بدأ بنص استمتِع عن ابن سينا، ثم بِشعر للإمام الشافعي، وعرض نشاطًا لوصف شخصية، وعرض شخصيتين: العلَم ناصر الدين الأسد، واللاعب محمد صلاح، وطلب من الطالب أن يحدد مَن المألوف؟ وأن يختار أحدهما ويكتب عنه !!طبعًا الجواب واضح، فالطلبة يعرفون اللاعب الموهوب محمد صلاح، ولا يعرفون ناصر الدين الأسد العالِم!! فأي ربط جائر هذا؟؟
كانت المقارنة عادلة لو كانت بين أديب، وفنان، وليس بين أديب ولاعب رياضي مشهور، وكان بالإمكان أن يتحدثوا عن محمد صلاح، في الوحدة الرابعة الخاصة بالرياضة دون إساءة لناصر الدين الأسد!!لكنها العشوائية التي نعمل بموجبها! ثم قدموا نصّا لأحمد زويل – يبدو سيرة ذاتية عن نجاحه – وخُتِمت الوحدة بلطائف أدبية عن فصاحة العرب.
احتوى الكتاب على عشر صور، منها سيدتان، بما يعكس تجاهلًا واضحًا لدور المرأة التي لم يقدموا لها أي نص أيضًا. وذكرت المرأة في أمثلة هامشية مثل:
– أصبحت يا سلمى مثل ملامح جدتك ص (70).
– السيدتان تعِدّان وجبات ص (70).
– أصبحتِ تحفظين العهد ص (68).
– وفي الأفعال الخمسة، ورد نصّ عن أمي، وأختي، تحضران ما يلزم لاستقبال مهنّئي نجاح التوجيهي، فقد “كنت وأخي” من المتفوقين! ثم نصّ عن أبي وجدي ينظّمان مسابقة ثقافية!!
إذن: الوحدة الثالثة أهملت أي دور للمرأة الأديبة والناجحة، لا إنجازًا ولا ذِكرًا غير الإعداد لاستقبال المهنّئين بنجاح خالد وسيف. ويلاحظ أن معظم الأمثلة النحوية قد خلت من مفاهيم أساسية دعا إليها الإطار العام!!
أما الوحدة الرابعة، فكانت بعنوان: “الرياضة حياة”؛ ولا شك أنه الموضوع الأكثر ارتباطًا باهتمامات الطلبة، وقدموا للوحدة كالعادة استنادًا لتراثنا بقول سيدنا عمر: “علّموا أبناءكم السباحة، والرماية، وركوب الخيل”.
كان نصّ الاستماع عن لاعب برازيلي، ثم نصّ عن التعليق الرياضي ، ثم نصّ طويل جدّاعن الرياضة والمجتمع ليس فيه ما يشير إلى دور الرياضة في المجتمع، أو العنف في الرياضة، أو الدور التربوي للرياضة، وسبل مواجهة العنف، وشغب الملاعب بالرغم من الحديث عن أخلاق اللاعب. ثم نصّ حواري مفتعل بين “ابن”، “وأخته “ذكرت فيه أسماء لا ينساها التاريخ كآمنة بنت وهب، وعائشة بنت الشاطئء، وذكروا فيه أسماء الحسين، والملك عبد الله دون أي هدف، ومضمون؛ لأنهم يتحدثون عن همزة الوصل!!!!
ثم قدموا نصّا: “أوصانا الله بالإحسان إلى الوالدين”، ثم نصّا عن استعداد فريق كرة قدم لمباراة، ونصّا عن استقدام الكفايات الشبابية واستقبالهم بروح داعمة دون أي معنى! ومن أين نستقدمهم، ولماذا؟
قد لا تصدقون ما أكتب، ولكني أشير إلى ص(93). واختتمت النصوص بنصيحة رجل لابنه عن المعاملة بالحسنى! ومن اللافت للنظر أن كل الفرق الرياضية، وصورها كانت للرياضة الرجالية فقط! لا أعرف سرّ خصومة الكتاب بجميع وحداته للمرأة، مع أنه من تأليف أربع سيدات ورجل واحد، ورئيس ذكر!
تم ذكر الرياضة للمرأة ص(68)، بنشاط “ابحث عن لاعبات أردنيات حققن إنجازات”!ّ! وصورة لِلاعبة ص(76) مع لاعبين، و ص(94) جملة: كان إشراك اللاعبات الأردنيات مهمّا! يعني نسبة الحديث عن رياضة المرأة أقل من 5% مما ذكر عن رياضة الذكور.
ولعل المفارقة الكبرى هي في حصاد الوحدة الذي خلا من أي كلمة، أو قيمة، أو ذكر للرياضة! أليس ذلك عجيبًا؟!
– أما الوحدة الخامسة، فكانت بعنوان: “من أدبنا القديم”: قدم الكتاب لهذه الوحدة ببيت شعر لحاتم الطائي عن قِرى الضيف:
وإنّي لأقري الضيف قبل سؤاله وأطعن قدمًا والأسنّة ترعُف
ولا أدري ماذا نقول للطلبة عن الطعن، ورعف الرماح؟ وماذا يعني ذلك لهم! وهل هو سلوك إيجابي أم لا؟ ثم يستمع الطلبة لقصة عن حاتم، سأل الكتاب الطلبة عن اسم أم حاتم، والقسَم الذي اقتطعه على نفسه، وكيف ذبح فرسه لإطعام الضيف دون أن يطلب تقويم سلوك حاتم الذي ذبح فرسه، وهي آلته الحربية، وبقي دونها، وماذا سيحدث له لو اعتدى عليه أحد!! كما سألوا الطلبة: كيف قام حاتم وزوجته بتلهية أطفالهما؛ ليناموا دون طعام!! والأنكى من ذلك، أطعم الفرس كلها للمرأة وأولادها، وحرَم أطفاله منها فناموا جوعًا!
ثم قدّموا قصيدة قيمية لعنترة بن شداد، تتحدث عن عدم الحقد، خاصة عند المسؤولين؛ لتنتهي القصيدة إلى الحرب والمعارك والأسنّة، والقصب الهندية، والضرب والطعن، وغير ذلك مما لا يعني شيئًا عند الطلبة، أو على الأقل يوجههم نحو ثقافة القتال، وحل المشكلات بطرق الطعن، والقتل وغير ذلك من مصطلحات شبه داعشية. وأكثر من ذلك فإن قوم عنترة يلومون سواده، ويذكرهم بأن لونه الأسود، هو نسبه يوم النزال! أي قيم وأي تمييز عنصري هذا؟! وبالمناسبة خلت الوحدة من أي أدب نسائي، أو أي دور ولو هامشي لامرأة!
(3)
هذه أبرز محتويات الكتاب، فما الاستنتاجات التي يمكن الحصول عليها؟ بكل رضا أقول:
– مال المؤلفون والمؤلفات إلى السهولة، فأخذوا نصوصًا جاهزة، لا من أجل ذاتها، بل خدمة لأغراض النحو، وهذه سِمة كل الكتب.
– مال المؤلفون والمؤلفات إلى الحلول السهلة، والسطحية، فالمساءلة تكون في الحياة الأخرى.
– غاب أي غزل عن الكتاب حتى رائعة عنترة:
فوددت تقبيل الرماح لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسّم
– بخلوا بها كما لم تفعل الكتب القديمة.
– يرى المركز الوطني أنه أحدث اختراقًا في مفاهيم تدريس اللغة.
– وأرى أنه أعادنا بقوة إلى ما رفضناه في الكتب القديمة.
– لن ننجح في جذب الطلبة إلى اللغة ما دمنا أسرى مسلّمات تعشش في عقول أنصار اللغة ومختصيها!
وستخصص مقالة قادمة عن مظاهر ارتداد كتب اللغة العربية التي غاب عنها عرار، وناصر الدين الأسد، ومحمود السمرة، وراشد عيسى!
ملاحظة مهمّة جدّا
هذا الكتاب مرَ على اللجان والمجالس الآتية:
– لجنة من خبراء اللغة.
– المجلس التنفيذي برئاسة مديرة المركز.
– المجلس الأعلى للمناهج برئاسة معالي رئيسه.
– لجنة الإنسانيات في مجلس التربية.
– مجلس التربية برئاسة معالي وزير التربية.
❖ لو تفضّل أحدهم بتصفّح الكتاب، هل سيوافق عليه؟ لكنها طريقة الدولة في اختيار مجالسها!!
❖ أطالب بحلّ سريع جدّا لحماية الطلبة من هذا الكتاب!!!