بدايات تراجع مستوى التعليم الأردني(02)

27 أغسطس 2023
بدايات تراجع مستوى التعليم الأردني(02)

“هل نجدها في سياسات التركيز والاهتمام على التعليم الكمّي بدواعي تحقيق مؤشرات الإعلان العالمي ” التربية للجميع ” اليونسكو (جومتيين 1990)؟
الدكتور: محمود المساد

هذا التوجه بدأ بالظهور تدريجيّا على مدى هذه الحقبة الزمنية الممتدة من بداية الستينات، وحتى نهاية التسعينات من القرن الفائت نتيجة:
الوعي المجتمعي والحكومي بأهمية التعليم، ودوره في إحداث التنمية المجتمعية التي تتطلب أعدادا كبيرة من الخريجين من التعليم العام والعالي من كليات المجتمع، والجامعات.
الضغط السياسي المضمر يدفع باتجاه الاعتماد على الأردنيين في إدارة شؤون الدولة، بعد أن كانت السِّمة الغالبة عليها أنها إدارة عربية .
تثبيت الناس في مناطقهم؛ نتيجة ارتفاع نسبة النموّ السكاني، وتطلعات الكثير منهم إلى الهجرة نحو العاصمة.
الضغط غير المباشر من الفلسطينيين الأكثر تعليما، ووعيا، الذين تم تهجيرهم من فلسطين بعد حرب 1967 مع العدو الإسرائيلي، على فتح المدارس، وانتشارها على مدى جغرافيا الوطن، وصولًا للمخيمات .
التوجه إلى الاعتقاد غير الدقيق، بأن أفضل معايير اختيار موظفي الإدارة الحكومية هي التي تقوم على معايير الطاعة، والالتزام بالتنفيذ، وليس لمعايير الكفاية، واستشراف المستقبل، حيث ترتب على هذا الاعتقاد اتخاذ قرارات غير صائبة في مجال الاهتمام بالتعليم النوعي، مع تركهم تقدير مصالح الدولة العليا لجهات أخرى.
إن تداخل هذه العوامل وتشابكها مع ظروف المنطقة، ومتغيراتها السياسية على مستوى الإقليم، والاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي، أربك المجتمع، وخلخل الاستقرار من جانب، وفتح السوق الخليجي الواعد آنذاك للكوادر الأردنية من جانب آخر، الأمر الذي دفع باتجاه الزيادة الكمّية للتوجه نحو التعليم الجامعي في الدول العربية المجاورة والقريبة. ومن ثم الزيادة التدريجية لعدد الجامعات الحكومية وبعدها الخاصّة التي شكلّت بمجموعها مغريات مهمّة عزّزت ثقافة المجتمع بالتوجه نحو التعليم الثانوي والجامعي المتوسط، والجامعي لدرجة البكالوريوس، وهذا بدوره رفع من نِسب الالتحاق بالتعليم العام ابتداءً من الصف الأول الأساسي، كما رفع من نِسب استمرار الطلبة بالتعليم حتى المرحلة الثانوية والجامعية، وقلل في الوقت نفسه من نِسب التسرّب والأمية، ومن فجوة التعليم بين الجنسين، وغيّر ذلك التحسن في كثير من النِّسب التي جعلت بمجموعها الأردن في صدارة الدول العربية بمؤشرات التعليم الكمّي.
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن الظروف والمتغيرات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي عاشتها المنطقة في هذه الحقبة الزمنية (العقود الأربعة الأخيرة من القرن الفائت)، عزّزت التوجه نحو التعليم الكمي للأسباب آنفة الذكر، وحالت في الوقت نفسه دون التوجه نحو التعليم النوعي الذي يحتاج إلى المزيد من التركيز، والتأهيل، والإمكانات اللازمة لتعميق الفهم، وتقليب الأمور، والبحث، والتقصي المُفضي للاختيار الواعي من بين البدائل التي تدعمها، وترجّحها الدلائل والبراهين من جانب، والتكاليف المادية الضرورية لتوفير البيئات الأنسب لنجاح مثل هذا التعليم الفعال بالجودة المطلوبة من جانب آخر. ولكي لا نطيل الحديث في هذا المجال، سيكون التعليم النوعي موضوع المقال القادم.
والله من وراء القصد.