الزواهرة يكتب: الهروب الى النار

19 يوليو 2023
الزواهرة يكتب: الهروب الى النار

بقلم : سهل الزواهره
قراءة لمستقبل التقارب العربي الإيراني في ظل حكم الملالي

تخطىء الدول العربية و تهرب إلى النار و تقع في مصيدة غير محسوبة العواقب عندما تتقدم بخطوات متسارعة نحو ملالي السلطة في إيران و تتغافل عن البديهيات و التي على رأسها البصمات الإيرانية الآثمة على الدول العربية و شعوبها التي تدخلت بها بشكل علني أو سري و تقفز قفزة في الهواء عندما تقنع نفسها وتقدم المبررات لهذه القناعة أن نظام الملالي قد انقلبت استراتيجيته وغدا كائنًا وديعًا يُراعي حقوق الجيرة ويحرص عليها و يسعى للتطهر على رمال الصحراء العربية أو التعميد في نهر النفط العربي .

نتفهم تحري الدول لمصالحها و البحث عن (تصفير المشكلات) و النزاعات التي تحيط بها و هذه نوايا جيدة لو كان من على الطرف المقابل يقيم وزنًا لهذه الاعتبارات أو سجله التاريخي يزخز بالعيش المشترك و عدم التدخل و البعد عن الدسائس الخشنة و الناعمة و التي لا قيمة فيها إلا لثابت واحد وهو بقاء هذا النظام و شكله الاستحواذي الضيق ، و إذا كانت الذاكرة العربية خانها كل ذلك فالأيام كفيلة بإنعاش تلك الذاكرة التي تقامر بالكثير عندما تستثمر بالملالي و نظامهم التوسعي وحتى آلآمال المستقبلية لبعض الدول العربية بخطط النعيم و التمكين طويلة الأمد و التي تبشر بها هي كذلك معرضة للنسف و التلاشي في ظل التقارب مع نظام الملالي فالبناء في ظل بيئة رخوة و غير آمنة بناء محكوم عليه بالفشل و ستكون كلفه هائلة على الأنظمة والشعوب بدرجة كبيرة و ربما يكون لها تداعيات لن تقوى على تحملها و هذه الدول إذا لم تدفعها اليقظة إلى التمهل في الاندفاع نحو نظام الملالي فستكون تماما كالجسد الطامح و الذي سيقوده طموحه إلى الغفلة و حقن نفسه بإبر سرطانية متوهمًا أنها سر التعملق و الخلود ، هذا ناهيك عن المشاكل البنيوية المستعصية التي تغرق بها هذه الدول اساسًا والتي تساهم بهذا التقارب النزق بتقديم فيه نفسها قربانا لإعادة إنتاج نظام الملالي و أدواته التي عاثت أذى و تشريدا في كل مكان تمكنت من التغلغل فيه .

و من جهة أخرى ذات وجاهة لا يغفل عنها أهل السياسة وبعد النظر فإن استمرار نظام الملالي بالحكم والتعاطي الطبيعي معه يعطي صورة سلبية عن السكوت و التواطؤ الذي قد يعطيه هذا النموذج السيء لغيره من الأنظمة العربية للذهاب بعيدا للتنكيل بمواطنيهم و الاستحواذ الكامل على حريات الناس و ثرواتهم ومستقبلهم وأفكارهم أضعاف ما هو واقع فعلا ، فغالبا صفقات الدول المُغيَّب عنها رأي الشعوب و نظرتهم تدفع هذه الشعوب أثمانها الباهظة و الأمثلة على ذلك تستعصي على العد و الحصر ومن هنا على كل باحث حقيقي عن الحرية في العالم أن ينفض يده من التعامل أو التقارب مع هذا النظام و أنه لو توهم للحظة أن هذا النظام سيصدق في تعامله فهذا خداع للذات سرعان ما ستتضح معالمه، والغريب في هذه المعادلة بالذات أن الشعوب العربية في عمومها تتقدم ذهنيا على قياداتها و التي تتصرف بعقلية قصيرة النظر باستخدام العلاقة مع النظام الإيراني كورقة مساومة لتحسين مواقفها و مقدار الرضى الأمريكي و الغربي عنها ، و هذا التفاوت بين مواقف الشعوب و أنظمتها قد يكون في لحظة ما عامل لخطر على هذه الأنظمة و اسفين جديد كبير بينها و بين شعوبها .

و لتتضح الصورة بموضوعية و تكتمل لا بد من تفكيك علاقة نظام الملالي بالدين و بالقضايا العربية الساخنة فنظام الملالي في علاقته مع الدين بداية يقوم باستعمال الدين بنسخة مزورة انتقائية تماما للاستبداد و تحقيق منافع شخصية لا علاقة لها إلا بترسيخ حكم الفساد و الاستحواذ ، و إضافة إلى الدين يستمر هذا النظام بتوظيف القضايا و على رأسها القضية الفلسطينية لتمرير نفسه و اجندته على صدر المنطقة ، و هذا النظام يسىء للدين و للقضايا العادلة بذات القدر لأن الشر لا يمكن أن يكون في صف الحق و لو تظاهر بذلك فأفعاله تؤكد شره و تؤكد أن كل من يراهن عليه سيخسر و لو بعد حين ، و لا يمكن لعقل يمتلك قليلا من بديهة أن ينطلي عليه تباكي نظام الملالي على الدم الفلسطيني و هو في نفس الوقت يمسح دموعه بيد ملطخة بالدم السوري تلك أحد المفارقات العجيبة التي لا يمكن فهم من ينساق للدفاع عن هذا النظام و نهجه أو يسعى للتقارب معه وهضم أشواكه المتجددة المعتادة على الأذى و التقلب .

و استكمالا للصورة وتعرية لنظام الملالي فإن زعمه بالتحصن عسكريا و التوسع في انواعها نووي وغيره من اجل إيران قوية قادرة على حماية نفسها فهذا يُرد عليه ببساطة بادعاء النظام حاليا أنه نظام قوي و مستقل فما الذي انعكس على الشعب الإيراني نتيحة لهذه القوة المتوهمة !!! النتيجة القمع و الإعدام و الإفقار و إطالة المعاناة و الحصار المصطنع ، لذلك فهذا النظام هش من داخله و يفرط في القوة و محاولة امتلاكها فقط في سبيل حفظ نفسه دون إعطاء أية اعتبار لإيران الشعب و إيران الدولة ،والوجه الآخر لهذا التسلح قطعا هو موجه إلى العرب و أمنهم و وجودهم وقد ثبت ذلك بالأدلة و الأفعال الدامغة التي لا زال صداها يصدع في أكثر من قطر عربي ، أما اسرائيل و امريكا فتلك قصة لم يعد يصدقها احد و يبدو أن سيناريو التحالف الخفي أو تقاطع المصالح المصيري بين نظام الملالي من جهة و اسرائيل و الشيطان الأكبر كما يسمونه من جهة أخرى بدأ يترسخ كحقيقة لها شواهد كثيرة لا يمكن نقضها.

و أخيرا فإن التقارب مع نظام الملالي و إعادة تقديمه هو و أدواته يشبه مُعاهدات ما بعد الحروب و التي يقدم بها الطرف الخاسر كل شيء في مقابل البقاء فقط و أخشى أن العرب قد وضعوا أنفسهم في هذه المعادلة في هذا الموقع و دون ربع رصاصة و لذلك فإن الوجهة السليمة للعرب و دولهم الحائرة بين الخوف و الطموح إن أرادوا الفعل الصواب و المؤثر هو التراجع الفوري عن هذا التقارب الحار و إطفاء جذوته قبل أن يلتقط شرره ما بقي من الثوب العربي لا بل و الذهاب الى دعم قوى إيران المعارضة و تمكينها من خلخلة نظام الملالي بكل السبل الممكنة وتفريغ أذرع هذا النظام العدائي من مضمونها و عزلها في بؤرها العصية على القانون و الشرعية و هذا ليس منطق العدوان و لكن منطق رده ، فشلالات الفوضى و الدماء التي اسالتها إيران و وكلاؤها و التهديدات المستمرة للاستقرار العربي هو العدوان الحقيقي و أي ردة فعل هي رد لهذا العدوان و ذكاء استباقي و يجب أن لا يتطوع العرب بالإعراض عنه فقط في سبيل إيصال رسائل الحرد لأمريكا و غيرها ، و كل ذلك طبعا تحت قاعدة التفريق بين إيران الشعب و الحضارة و التاريخ و الجيرة من جهة و بين نظام سطا على كل تلك العناصر و وظفها لنشر الأذى و الترهيب و تمكين فئة مقامرة من رقبة أمة و تهديد ما بقي من رقبة أمة أخرى …

sahelzawahrah@yahoo.com