حسين الرواشدة
أستبعد ، تماما ،أن يكون للحكومة ، او لأي مسؤول بإدارات الدولة ، أي يد فيما حدث ل”تلفريك ” عجلون الذي تم إغلاقه لمدة يوم للصيانة، استبعد ،أيضا ، أن يكون لهؤلاء أي علاقة بأكثر من أربعة حوادث قتل داخل العائلة الواحدة ،ثاني ايام العيد ، استبعد، ثالثا ، أي دور رسمي فيما نعانيه ،كأردنيين ،على صعيد انتشار النميمة الاجتماعية والسياسية ، أو القطيعة بين الارحام والجيران ، أو “التسفل ” الأخلاقي لدى البعض ، أو عدم قيام الأسرة بواجباتها تجاه الأبناء .. الخ من التحولات التي جرت على صعيد حياتنا، وعلاقاتنا مع بعضنا بعضا.
ما أريد أن أقوله :نحن في العادة نُحمّل إدارات الدولة ،بلا استثناء ، مسؤولية كل ما يحدث من أخطاء في بلادنا ، ونتغافل ،عن قصد أحيانا ، عما فعلناه ونفعله بأنفسنا ، من آثام وخطايا، صحيح ، للأطراف الرسمية أخطاؤها التي لا تحصى ، وانتقادنا لها يقع في باب الواجب الوطني ، كما أن بعض ممارساتنا تعكس ممارساتها وافرازات لمقرراتها، لكن الصحيح ،أيضا ، أن مجتمعنا ليس بريئا ، كما أن الأردنيين ليسوا ملائكة، وبالتالي يجب أن نعترف ،دائما ، أن حالنا ليس أفضل من حال المسؤولين عنا، وأن ما نرتكبه من أخطاء يساوي ، او ربما يزيد ، عما يرتكبونه، نحن ، اذاً، وجهان لعملة واحدة ، لا تستقيم إلا إذا صلُح الطرفان معا.
قائمة ما فعله الأردنيون بأنفسهم تبدو طويلة وتاريخية أيضا ،من يدقق بتفاصيلها ،على مدى العقود الماضية ، سيكتشف حجم الظلم والخطأ والتقصير الذي ألحقناه بأنفسنا وببلدنا ،بقصد او بدون قصد ، سيكتشف ،أيضا ، أن بعض النخب التي تصدّرت صفوفنا ،وزعمت أنها تمثلنا، لم تكن تمثلنا ، وإنما كانت تُمثّل علينا ، كما أنها لا تستحق أن تحظى بثقتنا، سيكتشف ، ثالثا ، أن التحولات التي طرأت على شخصيتنا أفرزت منا أسوأ ما فينا، حيث الكراهية والضغائن والشيزوفرينيا الاجتماعية ، و حيث الانحياز لنزعة الانتقام ، حتى لو من انفسنا ، المشكلة دائما هي أننا نضع اللوم على غيرنا ، ثم نصر على نقد الآخرين وتجريحهم ، نراهم عُمياناً، ولا نرى أي قذىً في أعيننا.
مرة أخرى ، هذه ليست شهادة براءة للرسمي والنخب المسؤولة ، ولا شهادة إدانة للشعبي والنخب في مجتمعنا ، بقدر ما هي شهادة اعتراف بتقاسم مسؤولية الأخطاء والخيبات ، و ضرورة الشراكة بالإصلاح ، لا يمكن لبلدنا أن ينهض من كبوته قبل أن نتصارح بأننا جميعا أخطأنا بحقه: العمال والفلاحون ،المعلمون والموظفون ،النساء والرجال ، لكل منهم نصيب فيما وصلنا إليه ، حصل ذلك حين صمتنا عن اخطاء المسؤولين عنا ،او تواطأنا معهم، وحين أهملنا ارضنا ، وحين تنازلنا عن رعاية أسرنا ، و تربية أولادنا ، وحين تصورنا أن الوظيفة العامة سلطة وليست خدمة ، وحين تعاملنا مع طلبتنا بمنطق “الفهلوة”، ولم نتعامل مع تعليمهم كرسالة، وهكذا انتقلت عدوى الخطأ والعجز من الناس للمسؤولين عنهم، وبالعكس أيضا.
مشكلة ، أن يكون أحدنا مشروع “فاسد جاهز ” ثم إذا طالت يداه تحوّل إلى فاسد ماهر بامتياز ، مشكلة ،أيضا ، أن نظل نصرخ بوجه المسؤولين لمكافحة الفساد واجتثاثه، وحين يتورط أحد أقربائنا نفزع للمطالبة بتبرئته ، مشكلة أن تتحول شوارعنا إلى ساحة للصراع وتبادل الشتائم، وحين نضبط مسؤولا متجاوزا ، نتجاهل ما فعلنا ، ونصب جامّ غضبنا عليه، مشكلة حين ينام جيراننا جائعين ونحن نقيم الموائد ونفرغها في الحاويات، ثم لا نتذكر سوى الحكومة لإدانتها بتجويع الأردنيين، وكأننا لا نتحمل معها مسؤولية ذلك ، مشكلة حين نمارس النفاق ونراه مشروعا ،بالنسبة لنا، لتحقيق مصالحنا ، ثم نرجم غيرنا بأبشع الأوصاف حين يمارسونه.
مثلما نتدافع، ونستميت، أحيانا، لانتقاد الحكومات ومؤسسات الدولة ، ونشهر عدم ثقتنا بها ، ونطالبها بإعلان إنجازاتها ،وتحقيق مطالباتنا ،يا ليت أننا نتدافع لانتقاد انفسنا، ومحاسبة النخب التي تدّعي تمثيلنا ، يا ليت أننا نستميت لتقديم إنجازاتنا وتجاوز اخطائنا ، إذا فعلنا ذلك ، أكيد سنفرز حكومات وادارات دولة نستحقها وتستحقنا، ومسؤولين يشبهوننا ،و مجتمع منتج ومنجز نفتخر به ، أكيد ..لأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).