وطنا اليوم:وقف الشاب رامي الفاخوري على سطح منزل عائلته في حي باب حطة، بالبلدة القديمة من القدس المحتلة، ليتفاجأ بأن المنزل المجاور الذي استولى عليه المستوطنون مؤخرا زُرعت على شرفته كاميرا مراقبة مسلطة على بيت العائلة، وعلى مقربة منها كاميرا أخرى وُضعت لتكشف زاوية مختلفة.
وعلى هذا الحال يعيش أهالي المدينة منذ عدة سنوات؛ حيث تزرع بلدية الاحتلال في القدس أكثر من ٦٠٠ آلة مراقبة تتابع تحركات الفلسطينيين بدقة، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى انتهاك خصوصيتهم داخل منازلهم.
ويتحدث الفاخوري عن حياته وعائلته، التي أصبحت مراقبة بشكل كامل عن طريق الكاميرات، حيث زرع الاحتلال العديد منها في كل زوايا البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى المبارك؛ بهدف إحكام السيطرة على المكان.
ويقول: “وجود آلات المراقبة في القدس كان متزامنا مع احتلال المدينة، لكنه ازداد بكثرة منذ عام ٢٠١٤، حين تصاعدت الهبات الشعبية في المدينة؛ حيث تذرع بالحجج الأمنية لينشر المئات منها، والتي تكشف كل زاوية خاصة في البلدة القديمة”.
وتتميز هذه الآلات بالتقنيات العالية والدقة المتناهية، كما تستغل طبيعة منازل البلدة القديمة المتلاصقة لكشف أكبر قدر من التحركات داخلها وفي محيطها.
ويؤكد الفاخوري أن حياة المقدسيين في هذه المنازل باتت عرضة للانتهاك عن طريق هذه الكاميرات؛ حيث تستطيع تصوير وتسجيل كافة التحركات داخل البيوت وتوثيقها بوضوح تام، دون أن تراعي أي حرمة.
التأثير السلبي الكبير لهذه الكاميرات كانت وما زالت مصدر قلق لدى عائلات البلدة القديمة، التي اعتادت على الجلوس بأريحية في ساحات المنازل أو فوق الأسطح، لكن وجود آلات المراقبة والتصوير يحول دون ذلك، إضافة إلى كونه يجعل الشخص مراقبا على مدار الساعة، “وكأن جاسوسا” يلحق به كظله، كما يصفها المقدسيون.
ويضيف الفاخوري: “أصبحنا مقيدين داخل منازلنا، ونضطر لإغلاق النوافذ والستائر طيلة الوقت حتى خلال فصل الصيف، والمعروف أن منازل البلدة القديمة؛ بسبب بنائها العتيق، تنتشر فيها الرطوبة، وتحتاج إلى التهوية، لكننا لا نكترث لها بقدر ما نخشى من كشف خصوصيات حياتنا”.
الكاميرات لا تعمل على التوثيق فقط؛ فالفاخوري كان واحدا من مئات الشبان الذين اعتقلهم الاحتلال وعرض لهم صورهم التي تم التقاطها عبر آلات المراقبة في أماكن لا يمكن أن يعتقد أحد أنها تحتوي عليها.
ادعاءات زائفة
ولعل الاحتلال يتذرع بوجود أسباب أمنية تجعله ينشر هذا القدر الكبير من كاميرات التصوير، لكن العديد من الأحداث فضحت عنصريته بهذا الخصوص، كما يقول مراقبون.
ويرى الناشط المقدسي أسامة برهم أن المجتمع المقدسي يعتبر كل منظومة الاحتلال عدوا لا صديقا، وهو ما ينطبق على موضوع الكاميرات التي يثق المقدسيون بأنها وُضعت ضدهم وليس لمساعدتهم.
ويقول إن الكاميرات لو وُضعت في الشق الغربي من المدينة، والذي يسيطر عليه المستوطنون، بالقدر الذي تُزرع به في الشق الشرقي الذي يسكنه الفلسطينيون، لكان من المعقول أن يقتنع المقدسيون بأنها سياسة عامة تتبعها بلدية الاحتلال، ولكن العدد الأعظم منها منتشر بشكل مكثف في شرق القدس، وتحديدا محيط المسجد الأقصى المبارك.
ويوضح أن الاحتلال يقوم بعنونة أي انتهاك يقوم به تحت مسمى الدواعي الأمنية، وبهذه الطريقة ينتهك خصوصية حياة المقدسيين، ويضعهم تحت مجهر مراقبته.
ويضيف:” لو توجه أحد سكان البلدة القديمة لشرطة الاحتلال بعد حصول خلاف مع جيرانه مثلا، فلن يتم الكشف من الكاميرات حول ذلك، ولن تتم مساعدته، يعني أن أي خلاف مجتمعي لن تخدمه الكاميرات إطلاقا؛ فهي ليست لخدمة المقدسيين، ولو حصل حادث طريق، فلا يتم تزويد المتضرر بتسجيلات الكاميرات؛ لأن الاحتلال يعتبره شأنا داخليا”.
ولكن من يدفع الثمن الأكبر لوجود هذه الكاميرات هم التجار، بحسب برهم، فيقول إنهم مراقبون بشكل كامل داخل محلاتهم التجارية، وبالتالي دخلهم وحجم مبيعاتهم، ويجد التاجر نفسه مضطرا لأن يصرح عن عمليات البيع والشراء التي يقوم بها؛ لأنه موجود تحت ضغط الكاميرات.
والأخطر من ذلك أن الاحتلال يستخدم الكاميرات لتبرير جرائمه بحق المقدسيين، خاصة من يقوم بإعدامهم ميدانيا؛ حيث يقوم بنشر مقاطع مصورة لمنفذي العمليات الفدائية، لكنه لا يظهر عملية الإعدام أبدا؛ كي لا ينقلب عليه الرأي العام.
ولكن في حالة إعدام الشهيد إياد الحلاق من ذوي الاحتياجات الخاصة، ادعى الاحتلال أن الكاميرا الوحيدة التي تراقب تلك الزاوية معطلة، بينما عندما قام بقتل شاب آخر في المكان ذاته نشر تسجيلات مصورة له حين قام بإطلاق النار نحو الجنود من عدة زوايا.
ويوضح برهم أن المجهود القضائي في قضية الشهيد الحلاق انصب كله حول محاولة الحصول على التسجيلات التي تثبت إعدامه بدم بارد.
وعن طريقة عمل الكاميرات، يبين الناشط أنها تعمل ضمن ما تسمى دائرة مغلقة؛ بحيث يبدأ مدى إحداها حين ينتهي مدى الكاميرا التي قبلها، لافتا إلى أن تركيز الكاميرات موجود حتى داخل أحياء مهمشة أو في زوايا مغلقة.
ويعرب برهم عن اعتقاد الشارع المقدسي بأن هذه الكاميرات تحتوي على مجسات تنصت وتسجيل صوتي، وهو الأمر الذي يزيد من انتهاك خصوصيتهم، ويبقيهم في دائرة المراقبة مهما كان مكان تواجدهم.
ويشير إلى أن هناك كاميرات مثبتة في أعلى مباني جبل الزيتون، بحيث تكشف كل حركة داخل المسجد الأقصى المبارك، مبينا أن الاعتقاد السائد حاليا هو أن كل أرجاء المسجد الأقصى قد تكون مزروعة بالكاميرات.
ويتابع:” هناك عائلات متضررة بشدة، ويتم انتهاك خصوصيتها عن طريق هذه الكاميرات، حتى أن بعض النساء يخشين من نشر الغسيل في ساحات المنازل؛ لأنهن يعلمن أن المراقبة واضحة، وهذا الوضع لا يقبله أحد في العالم، ولكن في القدس العربية الإسلامية يحدث كل يوم”.
ولأن هذه الآلات باتت أحد أكبر الانتهاكات التي تواجه المقدسيين أصبحت هدفا أمام الشبان الثائرين؛ فخلال المواجهات يتم تحطيمها وإتلافها بالحجارة أو الأدوات الحادة، وهو ما يعتبره الاحتلال تهمة توجب المحاكمة والاعتقال لأشهر عديدة.