اكتبهُ قهوةً هَيلية ( لِمن يَقرأ )

16 يونيو 2023
اكتبهُ قهوةً هَيلية ( لِمن يَقرأ )

بقلم : سهل الزواهره

اكتب وطنك قهوةً هَيليةً تُداعب بشَعرِها الفوَّاح أمزجةَ الغُدران و أحلام الصبايا المُتراكضة ليملئن قِرب الماء العذب و يعُدن بهن الى المنازل البعيدة فتغدو أوردةً تُبعث في جدبها حَكايا الجدود، و تتصاهل على حدودها أفراس الحِمى الذي لوثته عهود مَشبوهة وطالته أحلافٌ بَنَّدت طعناتها أنامل البغي الأول …

اكتبه بقاني دمِك النقي نَظمًا تسيح معانيه المَكبوتة لظىً على جسدٍ رمليٍّ تتخطفه أشباح الليل و نماريد النهار و يسطو عليه لصُ العدم مُتنكرًا بردائه الحالك وملامحه المُقنَّعة و تَسبحُ في ركام دِيوانه المُستباح تفلتاتُ النجاة و التشبث بحيطان الوجود و الأثر ، معارك بَقاءٍ عَمياء مُتقلبة لا هُدَن فيها و لا تفاوضَ …

اكتبه و لو غالبت عينيك الذابلةَ سِناتُ النوم و غارات الدمع المتدافع حسرةً على ديارٍ تزينت بعباءة شرقية منفوثة العُقَد ، سلاها بنوها رغم أعظُمهم التي هشَّها طولُ الرباط العبثي بانتظار رحمة خاصة تهبط أو كرامة راقدة تنتفض غضبًا على حالٍ ما غيرته أطنان مساحيق الحَلى و لا تفانين بِدع التزويق و الحيلة ….

اكتبه و قلِّب عدَّادَ ذاكرتك المُرهَقة بأنَّات السنين الراحلة يوم كنت تفيق مُمتلئًا ببذور النعمة و الصعود على بلوطِ النشوة مُطارِدًا بنات الشمس بين الأغصان و الأوراق مُتَشرِّبًا ما لذَّ من نورها الممزوج بنفحةِ الرُقيِّ إلى مجالسِ الكِبار حيث توزن الحروف كالذهب و تتنازع عقارب السويعات ثوانيها إبطاءً ، و تختلط الحِكمة بالشفقة فترسم رواية حِرصٍ و شَيبٍ عن عِزَّةٍ تنبض بخلجات صدورٍ تُسابق الكُعوب لأخذ مكانها بين النجوم التي تنير سبيل الذات و الناس …

اكتبه و اجمع هرِعًا من حولك صبية الحي الصغير و بُثَّ في خَصبِ ألبابهم خطوط الدار و الأمل ، و لا تُقِم سياجًا من نارٍ أو ضجيج حولَ براعم قهقهاتهم البريئة ، دعها تكبُر و تُحلِّق لتملأ فضاء الوادي النائم فلربما آفاق الأهل و تداركوا بعضَ لحمٍ مكشوف فستروه ، أو حَجرًا منسيًا فشيدوا به بنيان المُستقبل المُتهاوي …

اكتبه من جديد نَدىً باردا فرَّ من صباح صيفي الى صفحات التاريخ الحائر جُبنًا بين مكر التزوير الواقع أمرا أو حق اليراع الضعيف المُتداعي تخديرا و عَفنا ،و احمل بسِلال الحقِّ بَلحَ الرُجوع الى وسط الدنيا و انثره تمرًا و اقمارًا تتلألأ في دُجى السقوط و التآمر ، و سمِّن بِسُكَّرِهِ و ضيائه أبدانًا صَرَّعها اليأس و ظُلمة الدرب المرصود ..

اكتبه كَرَّةً قبل أن يقيموا مأتمك الاخير وانت تسمع و حواسك مُوثقة تتقلب في فُرشِ الصمت و الغياب، و تتزاحم الأقدام حول جسدك المُسجَّى و تتصارع الأيدي تتناهب ما طاب من حِليِّك التي غفِلتَ عن دفعها وصيةً إلى نسلك الطريد الواقب في تيه الشِعاب المُحاصرة …

اكتب و اقرأ و تيقظ فغربان النبش غادرت أعشاشها المُغتَصبة و راحت تُجرِّع مَلامحنا و أجداثنا نعيقها المَحبوك لتهد الظهر الاصيل و تُقيم مكانه البَردعة البديلة مُتسلحةً بخناجر الشك و قصائد الإفك و مزامير الحِبر الأثيم التي لا تزمُرُ إلا زورا و لا تؤاخي إلا صبيان الفكر الحرام المولود على غفلة منا بين حقولنا المحروسة بكلأ الله ثم بدعوات الجدات و سبابة يقظانٍ ممدودة مَسمَرها الدهرُ و أنطقها القهرُ بِخطب سُبكت حريرًا على حين مشهدٍ لم يغبْ عن سحرهِ الحَلال إلا مُقامرٌ بنهرٍ أو ميتٌ بِقبر …