وطنا اليوم:يبدأ العشرات من الأردنيين رحلتهم صباحاً بالبحث عن ما يستحق البيع واعادة تدويره مثل الخبز الجاف والخردة وزجاجات المياه الفارغة، لانتشال أسرهم من براثن الفقر المتربص بهم، فهم يعانون من شقاء العمل مقابل مردودٍ مالي متدني يعيلون به أسرهم وأطفالهم.
ومعظم هؤلاء الأشخاص أو ما يصنفوا بالعاملين غير المنظمين لا يتمتعون بأي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، إضافة الى ظروف العمل الصعبة والانتهاكات العديدة لحقوقهم.
منذ الثامنة صباحاً، تشق (الأربعينة) أم عدي طريقها بين حاويات القمامة في منطقة الوحدات لتجمع ما تبقى من رمق العيش والبقاء، باحثةً عن الخبز “اليابس” لتقوم بتجفيفه ومن ثم بيعه بسعرٍ زهيد تعيل به طفليها.
تتحدث أم عدي لـ”المرصد العمالي” عن معاناتها اليومية في العمل، قائلة “ببلش شغلي من الساعة 8 الصبح وحتى الساعة خمسة العصر، وخلال هاي الفترة بجمع قد ما أقدر من الخبز بشوالات عشان أجففهم وأبيعهم للناس”، وتابعت “الشغل متعب وما بطلّع منه مصاري كثير بس الحمد لله على كل اشي”.
أم عدي التي تعمل بواقع تسع ساعات متواصلة بين حاويات القمامة تقول لـ”المرصد العمالي” أنها تعاني من هشاشة العظام في ساقيها نتيجة العمل المتواصل يومياً، فهي تقوم بحمل “شوالات الخبز” بمفردها الى منزلها، اذ أن وزن “الشوال” الواحد يصل الى 50 كليو غرام، ومن ثم تقوم بفرز الخبز من “الشوالات” وتجفيفه وتعبئته بأكياس صغيرة وتقوم ببيعها على الطرقات في منطقة الوحدات وأيضاً لمحلات الطيور والمزارع كعلفٍ للحيوانات.
هذا العمل الشاق الذي تبذله أم عدي يومياً لم يكن مردوده المالي كافياً لتلبية احتياجات أسرتها وأولادها بحسب قولها، فهي تقوم ببيع ما يقارب 15 كيساً يومياً من الخبز الجاف مقابل 25 قرشاً للكيس الواحد، أي ما يعادل ثلاثة دنانير ونصف كصافي دخل لها يومياً، معبرةً عن سوء حالها “طول اليوم بجمع الخبز من الحاويات وبالآخر على ثلاث دنانير ونص بس”.
لم يقتصر الشقاء والتعب على هذا العمل فحسب، بل هنالك أشخاص أيضاً يقومون بجمع مخلفات أو روث الحيوانات بهدف بيعها للمزارعين كسمادٍ للأشجار مقابل مبالغ زهيدة يقتاتون منها.
(الثلاثيني) أبو محمد، واحد من بين العشرات الذين يعملون في الأشغال الشاقة ويكابدون ضنك العيش مقابل دخلٍ لا يلبي حتى الاحتياجات الأساسية لأسرته المكونة من أربعة أفراد، فهو يعمل بجمع روث الأبقار والأغنام في المزارع بمنطقة البقعة ويقوم بجمعها بأكياس بلاستيكية “شوالات” ومن ثم يبيعها للمزارعين في الأغوار كسمادٍ لأشجار الزيتون.
يروي أبو محمد لـ”المرصد العمالي” معاناته اليومية القاسية في استنشاق الروائح الكريهة المنبعثة من مخلفات الأبقار والأغنام التي يقوم بجمعها بالأكياس ومن ثم حملها على ظهره، “بطلع من الساعة ستة الصبح وبضل للمغرب أجمع مخلفات الحيوانات بالشوالات وبحملهم لحد ما ينهد حيلي، وباليوم اللي بعده بروح عالأغوار أو على محافظة أربد وببيعهم للمزارعين”.
يقول أبو محمد أنه يجمع ما يقارب ال 70 “شوال” يومياً، ليقوم في اليوم التالي ببيع نصفهم فقط لعدم قدرته على حملهم جميعاً والذهاب بهم الى الأغوار، إذ يتقاضى مقابل “الشوال” الواحد 25 قرشاً وأحياناً 15 قرشاً وذلك على حسب الوزن، ليصبح دخله في نهاية اليوم يتراوح ما بين 5-7 دنانير فقط، مشيراً الى أن عمله تراجع في فصل الشتاء، ما أدى الى تراكم أجار منزله عليه والبالغ 100 دينار.
ظروف عمل قاسية وغير لائقة ودخلٍ متدني، كلها يعيشها أبو محمد ومن على شاكلته من الذين يبحثون بين ركام النفايات عن قوت يومهم وما يسند حياتهم وحياة أولادهم، فهم يعملون بشكل غير منظم ومن دون مساعدات أو حماية اجتماعية يحتمون تحت ظلها والتي تعتبر من أبسط حقوقهم التي يطمحون لها.
مدير بيت العمال والخبير الاقتصادي حمادة أبو نجمة يقول لـ”المرصد العمالي” أنه من الضروري شمول هؤلاء الأشخاص الذين يعملون بشكل غير منظم ولحسابهم الشخصي بمظلات الحماية الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وبتسهيلات وليس باشتراكات مرتفعة كي يستفيدوا منها، مشيراً الى أن نسبة الاشتراك الاختياري بالضمان تصل الى 17.5% من دخله وهذه النسبة عالية لا يتحملها عامل المياومة.
ولفت الى انه لم يتم تقديم أي دعم أو مساعدات لهؤلاء الأشخاص خلال جائحة كورونا، ما يتطلب من الحكومة والجهات المعنية استحداث صناديق خاصة لهم من الضمان الاجتماعي وبإجراءات خاصة بدلاً من صندوق المعونة الوطنية.
وحول تنظيم أعمال هؤلاء الأشخاص، يرى أبو نجمة أنه من المفترض انشاء جهات وشركات تسويقية خاصة ممولة من الحكومة أو من الخارج تقوم بتنظيم أعمالهم وتسويقها وبمبالغ مناسبة توفر لهم بيئة عمل لائقة وحياة كريمة.
وفيما يتعلق بحجم العمالة غير الرسمية “غير المنظمة”، أوضح أبو نجمة أن حجم العمالة غير المنظمة تبلغ نحو 48% من اجمالي القوى العاملة، 26% منهم يعملون في القطاع الخاص و17% يعملون لحسابهم الشخصي.
كما أشار الى أن نسبة الإناث العاملات في الاقتصاد غير الرسمي 27% من اجمالي الإناث العاملات، مقابل 48% من الذكور