وطنا اليوم – بعد المادة التي نشرتها وطنا اليوم تحت عنوان (الصبيحي والوزير الهامس) جاء رد خبير التامينات موسى صبيحي على وطنا اليوم تحت عنوان :
خذوا هذه الأرقام والتفاصيل ورُدّوا عليّ إن استطعتم..!
حيث قال الصبيحي في معرض رده عندما كتبت المعلومة التأمينية رقم (743) مطالِباً بالتحقق من كل إنفاقات مؤسسة الضمان على البرامج التي كُلِّفت بتنفيذها ضمن أوامر الدفاع إبان جائحة كورونا، وقلت بأن بعض هذه البرامج تعدّت على أموال الضمان مما شكّل مخالفة صريحة لقانون الضمان الاجتماعي، لا سيما المبالغ التي تم إنفاقها وقيل بأنها غير مستردّة والتي قُدِّرت بحوالي (76) مليون دينار وفي رواية أخرى لمؤسسة الضمان (129) مليون دينار، خرجت علينا (وطنّا نيوز) بمقال عنوانه (الصبيحي والوزير الهامس والحقائق بالأرقام.. ولماذا انتظر كل هذه المدة).. وهو ما اعتبره محرر “وطنّا نيوز” ردّاً على المعلومة التأمينية التي نشرتها منذ ثلاثة أيام تحت عنوان (مُعترِضاً على إنفاقات الضمان إبّان الجائحة… هذا ما همس لي به أحد وزراء حكومة الرزاز..!).
للأسف أقول لمحرر الموقع بأنك اجتررت حرفياً مقالاً سابقاً نشره مدير عام الضمان السابق بتاريخ 27-2-2022 وعنوانه (الضمان الاجتماعي والبرامج المرتبطة بالجائحة ولهذا وهكذا تدخّلنا) وبالتالي لم يأت المحرر المحترم بأي جديد، وكنّا قد رددنا على الكثير من حيثيات ذلك المقال غير مرة..!
أما ما كتبتُه قبل ثلاثة أيام فهو متعلق بمطالبتي بالإفصاح التام والدقيق عن مجموع ما تم إنفاقه على تلك البرامج، وعن مدى قانونية بعض هذه التدخّلات التي أقحمت فيها مؤسسة الضمان نفسها، ولا سيما البرامج التي أهدرت مبالغ مالية وصلت إلى أكثر من (76) مليون دينار والتي قيل على لسان إدارة الضمان السابقة بأنها غير مُستردّة..!
إذا كان محرر “وطنا نيوز” واثقاً من نفسه ومقتنعاً بأن مقال مدير الضمان السابق المنشور منذ حوالي (15) شهراً يجيب على تساؤلاتي فلنخرج هو وأنا على الهواء مباشرةً لنتحدث أمام الرأي العام بهذا الموضوع، وكلٌ منا يقدّم حججه الرقمية والقانونية، ولندع الجمهور يحكم بعدالة بهذا الشأن..!
لقد قلتُ وأكّدتُ مراراً وتكرارا بأنني لم أكن ضد تدخلات مؤسسة الضمان لتخفيف حدّة آثار وتداعيات الجائحة على القطاعات المختلفة، لكنني كنت أود أن تأتي كل تدخلاتها ضمن سياق ما يسمح به القانون، أما أن يتم التعدّي على أموال الضمان وأن تُقدّم بعضها على سبيل الهِبة والتبرّع فهذا مما لا يجوز لأحد القيام به مهما كانت الذرائع والغايات..!
هذا جانب، ومن جانب آخر مهم، فلم يحصل حتى تاريخ اليوم أي مراجعة أو جرد لإنفاقات المؤسسة وبرامجها التي أطلقتها خلال فترة الجائحة، وصدرت عن مدير الضمان السابق تصريحات متضاربة فيما بينها بالأرقام، وصدرت أيضاً تصريحات أطلقها رئيس الوزراء السابق د. عمر الرزاز حول حجم الإنفاقات التي تحمّلتها مؤسسة الضمان مختلفة تماماً عنها، ولنقرأ هذه التصريحات كدليل:
أولا: في كلمة “المُفتتَح” التي استهلّ فيها مدير عام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي التقرير السنوي للمؤسسة لعام 2020 ذكر بأن إنفاق الضمان المباشر على برامج الجائحة بلغ 205 ملايين دينار، وأن الإنفاق غير المباشر بلغ 153 مليون دينار، أي أن المبلغ الذي تم صرفه على برامج الجائحة خلال عام 2020 بلغ 358 مليون دينار (الصفحة 8 من التقرير)..!
ثانياً: في محاضرة له في جامعة للشرق الاوسط يوم الاثنين 18 / 10 / 2021 قال مدير عام الضمان السابق بأن اجمالي ما تم إنفاقه على برامج الضمان خلال الجائحة تجاوز (716) مليون دينار.. وأضاف بأن جميع الكلف المرتبطة ببرامج الدعم المباشر هي مستردة وممولة ذاتيا.!
لاحظوا كلمة دعم مباشر ودعم غير مباشر.!
ثالثاً: وفي مقال لمدير الضمان بتاريخ 26 / 2 / 2022 بعنوان ( برامج الضمان الاجتماعي.. هل هي حالة خاصة بالأردن.. ) جاء فيه أن برامج تضامن ومساند”١” ومساند”٢” تم تمويلها من الحسابات الادخارية للمؤمّن عليهم في صندوق التعطل عن العمل وكلفتها وصلت إلى (226) مليون دينار. أما برامج مساند”٣” وتمكين اقتصادي”٢” وهي عبارة عن سُلف ويتم خصمها من الحقوق التأمينية للمستفيدين مستقبلاً ووصل مبلغها الإجمالي إلى (224) مليون دينار، وأن الكلفة الوحيدة لها هي كلفة الفرصة البديلة لاستثمار هذه المبالغ. وفيما يتعلق ببرنامج تعليق تأمين الشيخوخة وبرنامج تمكين اقتصادي”١” فتُقدّر الاشتراكات المفقودة بحوالي (230) مليون دينار. أما برنامج استدامة فقد كلّف المؤسسة حتى تاريخه (69) مليون دينار، في حين كلّفت المساعدات العينية من طرود غدائية وغيرها (4.5) مليون دينار..!
رابعاً: أما رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز فقد ذكر في محاضرة بطلبة الدراسات العليا /كلية الأمير حسين للدراسات الدولية بتاريخ 30 / 5 / 2022 بأن الضمان صرف على برامج الجائحة مبلغ (200) مليون دينار من صندوق التعطل عن العمل دون المساس بحقوق المشتركين أو التعدّي على أموال الضمان…!
وهذا المبلغ الذي ذكره الرزاز أقل من ثلث المبلغ الذي ذكره مدير عام الضمان في محاضرته المشار إليها في جامعة الشرق الأوسط..!
خامساً: وفي تقرير منشور على الموقع الالكتروني لمؤسسة الضمان تحت عنوان (استجابة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لأزمة COVID-19 النصف الأول لعام 2021، فقد ورد في الملحق الإحصائي للتقرير وتحديداً في الجدول رقم(1): كلفة برامج المؤسسة في مواجهة أزمة تفشي وباء Covid-19 حيث بلغت الكلفة الإجمالية على المؤسسة حتى منتصف عام 2021: ( 705,744,773) دينار (سبعمائة وخمسة ملايين وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفاً وسبعمائة وثلاثة وسبعون ديناراً)، وتفاصيلها موزعة على البرامج التي تم إطلاقها على النحو التالي:
١) تعليق تأمين الشيخوخة الكلي: 96,585,667 دينار.
٢) تضامن 1: 20,560,876 دينار.
٣) تضامن 2: 2,125,200 دينار.
٤) مساند 1 وتعديلاته: 79,373,712 دينار.
٥) مساند 2: 30,768,803 دينار.
٦) مساند 3: 52,997,388 دينار.
٧) حماية: 7,604,665 دينار.
٨) تمكين اقتصادي1 وتعديلاته: 117,638,961 دينار.
٩) تمكين اقتصادي2 وتعديلاته: 168,153,201 دينار.
١٠) استدامة: 129,936,300 دينار.
هذه بعض التصريحات والإفصاحات الخاصة بمبالغ إنفاق مؤسسة الضمان على برامج الجائحة التي تم تمويلها وصرفها من أموال المشتركين، وهي تُلقي بالكثير من الأسئلة وأهمها التضارب الكبير والواضح في الأرقام وما هي الأرقام النهائية للمبالغ التي تكبّدتها مؤسسة الضمان الاجتماعي مفصّلة ما بين مبالغ مستردّة وما هي آليات استردادها، ومبالغ غير مستردّة ولماذا هي غير مُستردّة وما السند القانوني للتبرع بها..؟!
وأذكّر هنا بما نصّت عليه الفقرة (ب) من المادة (19) من قانون الضمان التي حظرت حظراً باتاً الإنفاق من أموال مؤسسة الضمان إلا لما يقتضيه تطبيق أحكام القانون والأنظمة الصادرة بموجبه..!
صحيح أن هناك تدخلات إيجابية مُقدّرة وكان من الواجب على مؤسسة الضمان القيام بها ودعمت من خلالها القطاع الخاص خلال فترة الجائحة ونحن نقرّها، وهي التدخلات التي اقتصرت على الصرف من صندوق التعطل عن العمل وهي حسابات ادخارية للمؤمّن عليهم ولا ضير في ذلك، إضافة إلى بعض البرامج الأخرى للتسهيل على القطاعات المتضررة والمؤمّن عليهم وبصرفيات سيتم استردادها. لكن ثمة برامج تم تنفيذها وأُنفِقت عليها عشرات الملايين من أموال الضمان مثل برنامج استدامة الذي ساهمت فيه المؤسسة “تبرّعاً” بمبلغ وصل إلى (76) مليون دينار، وهذا الإنفاق من أموال الضمان التي هي أموال المشتركين والأجيال ليس قانونياً ولا أحد يملك المساس بهذه الأموال أو التبرع بها مهما كانت الغايات نبيلة..!
فهذه أموال الضمان.. وهي أموال مُحصّنة بالقانون.. فلا يقربها أحد دون وجه حق، ومن واجب الدولة وأجهزتها المعنية أن تراجع الموضوع برمته وتحقق وتتحقق من كل دينار تم إنفاقه من خزينة الضمان على كافة البرامج المذكورة.
سادساً: أما القول بأن لا تأثير لإنفاقات الضمان على برامج الجائحة على المركز المالي لمؤسسة الضمان، فهو كلام مكرر وغير صحيح، وأُذكّر هنا بما صرّح به مدير الضمان السابق خلال لقائه لجاناً برلمانية بتاريخ 8-8-2022 بأن تدخّلات مؤسسة الضمان والأموال التي أنفقتها على برامج الجائحة ليس لها تأثير على المركز المالي للمؤسسة، وهو تصريح يثير العجب والتساؤل، إذ ليس صحيحاً قط أن ما أنفقه الضمان وما تحمّلته المؤسسة جرّاء تنفيذها لأوامر الدفاع لدعم القطاع الخاص لا أثر له على الوضع المالي للمؤسسة، وإذا كان لا أثر له فعلاً فلا بد من إيضاح ذلك بالأرقام والبيانات، فلا شيء يدعم الأقوال أكثر من الأرقام.. فهل كان مدير الضمان السابق قادراً على إقناعنا بأن مئات الملايين التي صرفتها ومنها ما هو غير مسترد لا تأثير لها على الأوضاع المالية للضمان، وأن الفرص الضائعة نتيجة فوات استثمار تلك الأموال لم يكن لها أي أثر على الضمان، وإذا كان الأمر كذلك فأين الدراسة الإكتوارية التي تثبت ذلك، وعن كل تدخّل من تدخّلات مؤسسة الضمان وبرامجها خلال الجائحة، إضافة إلى دراسة أثر الفرص البديلة والضائعة على الضمان نتيجة إنفاق مئات الملايين..؟ وهنا فإنني أيضاً أُذكّر بما كتبه مدقق الحسابات الخارجي من ملاحظات في الصفحة (71) من تقريره الملحق بالتقرير السنوي لصندوق استثمار أموال الضمان لعام 2020 والتي أشار فيها حرفياً إلى أنه: ( كان لأوامر الدفاع أثر غير مباشر على عمليات صندوق استثمار أموال الضمان بحيث انخفضت صافي المبالغ المحوّلة من مؤسسة الضمان للعام 2020 بمبلغ (369) مليون دينار مقارنة مع عام 2019 والتي كان من المتوجب استغلال هذه المبالغ في استثمارها لتحقيق عوائد مالية للعام 2020) أي أن هناك إضاعة لفرصة استثمارها..!
فهل يُعقَل بأن إنفاقات وصلت إلى حوالي ( 850 ) مليون دينار ومن ضمنه ( 76) مليوناً على الأقل غير مُستردّة لا تأثير لها على الوضع المالي للمؤسسة..؟!
لهذا كله أكرر مطالبتي بالتحقيق والتحقق من كل دينار تم صرفه ومن كافة إجراءات الصرف بما في ذلك الأموال التي صُرفت لمنشآت تحايلت على الضمان وتم اكتشاف بعضها.!
(سلسلة معلومات تأمينية توعوية بقانون الضمان نُقدّمها بصورة مُبسّطة ويبقى القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه هو الأصل – يُسمَح بنقلها ومشاركتها أو الاقتباس منها لأغراض التوعية والمعرفة مع الإشارة للمصدر).