حسين الرّواشدة
في الامتحانات التي تتعرض لها الدول والاوطان( وما اكثرها) تبرز قيمة “الرموز” والنخب الحقيقية، وتتمايز عن غيرها من “النخب” المغشوشة، وتفرض حضورها وايقاعها على عقول الناس ووجدانهم، مع انها لا تملك الا “سلطة” الاقناع والموثوقية والصدقية، ولا تتحرك في دائرة “المقررات” وانما في دائرة “الخيارات”،، ولكن بما حازته من احترام الناس لها، وتقديرهم لمواقفها وتجربتها، واحساسهم بأنها لا تبحث عن مغنم او حصة من الكعكة، ولا تعبّر الا عن المصلحة العامة المنزهة عن الاهواء، ولا تبيع مواقفها في “بازارات” السياسة او “موالد” الفرح والعزاء.
هذه “النخب” متى كان موثوقا بها، تشكل “رصيدا” للدولة، ومخزونا يتوجب الحفاظ عليه او عدم المساس به او السماح بتشويهه، او اخضاعه لمعايير “المزاجية” او المقررات القصيرة النظر، التي تُصدر احكامها بناء على اضطرارات اللحظة، لا خيارات المستقبل المفتوح عل كل الاحتمالات.
الدولة، اية دولة، تحتاج في لحظة ما من مراحلها المفصلية الى “نخبها” ورموزها الوطنية، لكي يساهموا في ضبط ايقاع ما يجري من سجالات، او في اقناع الناس بما لديهم من تصورات، او في “الانتصار” لمنطق الدولة اذا ما تعرض لتشويه من هنا ، او تجريح من هناك.
في امتحان الانتصار لمنطق الدولة، والمصلحة العامة، والوحدة الوطنية، وكل القيم والقضايا الكبرى التي تشغل الناس، ثمة من ينجح وثمة من يسقط، ثمة من يتقدم ومن يتأخر، من تتثاقل به الحسابات الى الارض ومن يحلّق في فضاء الواجب، من يراهن على اللحظة وانكساراتها وتحولاتها، ومن يراهن على “البلد” ومستقبله وحتمية صموده، من يحركه الايمان “بالقيمة” والفكرة والهدف الاعلى، ومن تحركه النوازع الشخصية والاعتبارات الضيقة، وهواجس الخوف والتردد.
في هذه الحالة يفترض (لا بل يجب ) ان تصغي الدولة لصوت الضمير الذي ينطلق واضحا من حناجر “نخبها” الحقيقية، وقلوب “رموزها” الذين تجاوزوا كل الصغائر، وان يحتشد الناس -بوعيهم – حول صواب الفكرة والموقف، فتتبدد امامهم غيوم المرحلة، وينكشف الغبار، فاذا بالصورة -كما يرونها – مشرقة واضحة، لا رتوش تعلوها ولا شقوق.
في الوقت الصعب، يفزع الناس الى “ملاذات” النخب الآمنة، ويبحثون عن “اتجاه” البوصلة في مواقفهم، ويطمئنون الى طريق السلامة الذي يحددونه، ويدركون -تماما – من يختارون ولماذا وكيف؟ ولأي خطاب ينحازون؟ وبمن يثقون؟
دعونا -اذن – نستثمر في هذه “النخب” العاقلة في بلدنا، ( وهي موجودة لمن يريد ان يبحث عنها) ودعونا نقول للذين نجحوا في الامتحان: شكرا.. ولغيرهم: اعيرونا صمتكم.