وطنا اليوم:في الوقت الذي يُواصِل فيه الاحتلال استعراض قوته العسكريّة بقتل المدنيين العُزل وقصف المدن والبنايات السكنية، يبدو أنّ هذا الاستعراض يعكس داخله مخاوف طويلة الأمد، إذ شهدت إسرائيل في الأشهر الأخيرة تحذيرات متكررة من قادتها ومفكريها حول سقوط دولتهم، مستدعين الوقائع التاريخية لسقوط الممالك اليهودية السابقة، وبالإضافة إلى ذلك، الانقسام الداخليّ الذي بات يُميِّز المجتمع الصهيونيّ، وهو مجتمع مُستوطنين.
وغنيٌّ عن القول إنّ ترديد مثل هذه المفردات والخطابات على ألسنة صنَّاع القرار الإسرائيليّ وبصورةٍ متواترةٍ، يزيد القلق الإسرائيليّ من تحقق هذا المصير الذي يجري التحذير منه، وسيدفع الحكومات لتخصيص الحيّز الأكبر من سياساتها للقضايا الداخليّة، بهدف ترميم الأعطاب التي لحقت بالدولة على حساب الاهتمام بالمخاطر الخارجية.
وفي هذا السياق، أكّد تامير باردو، الرئيس السابق لجهاز الموساد، في محاضرة بكلية (نتانيا) أنّه “بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنّ التهديد الأكبر يتمثّل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آلية تدمير الذات التي جرى إتقانها في السنوات الأخيرة، تمامًا مثل أيام تدمير الهيكل الثاني، مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثيّ قبل نقطة عدم العودة، لأنّ إسرائيل تنهار ذاتيًّا”، وتابع المسؤول الأمنيّ الإسرائيليّ: “صحيح أنّها غنية وميسورة، لكنّها ممزقة ونازفة، والمخاطر لا تنقضي، وبعد قليل ستعمل آلية الإبادة الذاتية المتمثلة في الكراهية المتبادلة”، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، حذّر الباحث في معهد “أبحاث الأمن القومي”، اللواء في الاحتياط أودي ديكل، من أنّه في الحرب المقبلة “ستُهاجَم الجبهة الداخليّة بآلاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، من بينها عشرات الصواريخ الدقيقة، وطائرات غير مأهولة هجوميّة ومن عدة ساحات بالتوازي: لبنان، سوريّة، غرب العراق، وربما أيضًا غزة”.
وشدّدّ على أنّ الهدف هو “التأثير على التفكير، والاستعداد لدى المستوى السياسيّ والمؤسسة الأمنية، مع نظرة لعقد إلى الأمام”، وتحلل الدراسة العوامل التي من شأنها أنْ تؤدّي إلى الحرب المقبلة في الشمال، ويصف شكل تحقق التهديد، ويعرض المعضلات والبدائل المحتملة للسياسات الإسرائيلية، ويوصي بخصوص الاتجاهات للاستعدادات والخطوات المطلوبة من الآن.
ووفقًا للبحث فإنّ الاستنتاج المركزيّ هو أنّ الحرب المقبلة ستحصل مقابل محور (إيران وحلفائها)، على ضوء تبلور المحور، و”نشوء تواصل بريّ من طهران إلى بيروت، يتضمن بناء قدرات متنوعة لمهاجمة إسرائيل بنطاق واسع من الصواريخ والقاذفات الصاروخية والطائرات المسيرة الهجومية”، و”قيام فصائل من مقاتلي حرب العصابات بالتسلل إلى إسرائيل للسيطرة على مستوطنات ومواقع حيوية بالقرب من الحدود مع لبنان والجولان المحتل”.
عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، استنتج معدو البحث أنّ “الحرب المقبلة ستكون متعددة الساحات: لبنان، سوريّة، غرب العراق، مع احتمالية انضمام حماس والجهاد الإسلامي من قطاع غزة”، مُشدّدّةً على أنّ “الحرب المقبلة ستكون مدمرةً وقاسيةً، ويبدو أنّ أيًا من الأطراف غير معني باندلاعها”، كما أكّد البحث.
لكن رغم تجنب الأطراف للحرب، بحسب ما توضح الدراسة، يبقى هناك خطر لا يستهان به من تدهور الأمور وبلوغها حدّ التصعيد غير المسيطر عليه، ما قد يؤدي إلى حرب واسعة.
وأشار الباحثون إلى أنّ الحرب المقبلة “ستكون مغايرة من حيث الحجم والقوة، مقارنةً بالحروب السابقة”، حيث من المتوقع حصول “دمار كبير للجبهة الداخلية، يتضمن ضرب أهداف استراتيجية في إسرائيل”.
وطرحت الدراسة سيناريو حصول هجوم مفاجئ، فيما منظومة الدفاع في إسرائيل غير جاهزة، وهو سيناريو يمكن أنْ “يمسَّ ويعرقل قدرة عمل الجيش الإسرائيليّ في الرد الهجوميّ الفوريّ، وفي جهوزية قوات الدفاع الجويّ، وفي تجنيد قوات الاحتياط”، وفق الدراسة.
وتابعت الدراسة في استشرافها لمستقبل الحرب: “سيركّز العدوّ على ضربةٍ قاسيةٍ للجبهة الداخليّة المدنيّة لإسرائيل، وعرقلة أداء الاقتصاد، ومحاولة زعزعة المناعة الوطنيّة التي أظهرت تصدعات في الآونة الأخيرة مع تفاقم الانقسام الداخليّ”.
وخلصت الدراسة إلى القول إنّ “وضع المجتمع الإسرائيلي ّمقلق، كما ظهر خلال الأشهر الأخيرة بعد بدء حكومة بنيامين نتنياهو بمحاولة تطبيق خطّة الانقلاب على المنظومة القضائيّة، وفي ظلّ انعدام الشعور بالمصير المشترك ووحدة الهدف والتضامن والجهوزية لحمل الأعباء، الأمر الذي يثير قلقًا كبيرًا من نتائج الحرب”، كما أكّدت الدراسة.
يُشار إلى أنّه بحسب مصادر إسرائيليّةٍ رسميّةٍ فإنّه في حال وقوع هجماتٍ صاروخيّةٍ على شمال الكيان، سيُواجِه حوالي 50 ألف إسرائيليًا التصعيد في منازل لا تضم مناطق آمنة مناسبة، على الرغم من وجود خطة بقيمة 5 مليارات شيكل (1.38 مليار دولار) لمعالجة المشكلة، بحسب مجلّة (تايمز أوف إسرائيل)