وطنا اليوم – رصد – أثار إعلان بنكين حكوميين مصريين عن شهادات ادخار بعائد يصل إلى 22 في المئة، تساؤلات عن معنى طرح هذه النسبة المرتفعة، وإن كان ذلك دليلا على أزمة عميقة في الاقتصاد المصري.
وأطلق بنكا مصر والأهلي، الأحد، نوعين من الشهادات، إحداهما بعائد ثابت لمدة ثلاث سنوات يبلغ 19 في المئة، والأخرى متناقصة بحيث يبلغ العائد 22 في المئة في السنة الأولى، و18 في المئة في السنة الثانية، و16 في المئة في السنة الثالثة، بحيث يصرف العائد شهريا في كل من الشهادتين.
واعتبر المحلل الاقتصادي الأردني، محمد البشير، في حديثه مع موقع “الحرة” أن طرح عائد يبلغ 22 في المئة “رقما فلكيا” في ظل الأوضاع التي تعيشها اقتصادات العالم ومردود الاستثمارات المتواضع.
ويقول الخبير الاقتصادي اللبناني إيلي يشوعي لموقع “الحرة”: “دائما الفوائد المرتفعة على سندات إيداع أو الودائع المصرفية تعني أن الاقتصاد يعاني من عجز في ميزان المدفوعات، خاصة في ظل تراجع احتياطات مصر النقدية من العملة الصعبة، ومع مستحقات ديون تصل إلى مليارات الدولارات خلال العام الجاري، وهذا كله من شأنه أن يزيد من حدة الأزمة”.
وأضاف أن “المصارف (البنوك) وسيلة يستخدمها البنك المركزي حتى يحصل على الأموال من المواطنين بواسطة إغراء المصريين، مثلما حصل في لبنان، بفوائد عالية جدا، ولكن كل من هو ملم بالملفات النقدية والمصرفية يجب أن يخاف من الفوائد الباهظة المبالغ فيها، وألا يسعد بها”.
وأوضح البشير أن أسباب لجوء مصر إلى طرح هذا العائد المرتفع بجانب البحث عن السيولة، بهدف “توطين العملة المحلية ومنع تحويل الأموال إلى دولارات أو تهريبها إلى الخارج”.
وأضاف أن “الهدف تشجيع المصريين على اقتناء هذه الشهادات لتوفير سيولة لخزينة الدولة، حتى تواجه متطلبات الإنفاق الكبيرة في المشاريع المتعددة التي تقوم بها، وتلبية متطلبات الديون المحلية”.
وبحسب ما نقلت صحيفة “الأهرام” الحكومية، الاثنين، فقد بلغت قيمة مدخرات العملاء في الشهادتين 48 مليار جنيه، خلال أول يوم من إطلاقهما، في البنك الأهلي وحده.
واعتبر البشير أن “جمع هذا الرقم الكبير في يوم واحد، يؤكد تردد الناس في الاستثمار، سواء في القطاعات الاقتصادية أو الزراعية أو الخدمية، بسبب المردود المتواضع وكلفة الإنتاج الكبيرة التي تتعلق بالضرائب المرتفعة وأسعار الطاقة والعمالة، مما يجعل الناس تلجأ لهذه الشهادات”.
وقال البشير إن “أي دولة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية ستطرح شهادات استثمار ستكون الاستجابة لها مرتفعة، لاسيما إن كانت مرتفعة بهذا القدر”.
محاربة التضخم؟
ووصل معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار السلع الأكثر تقلبًا (الغذاء والطاقة)، في فبراير 2023 إلى 40.3 في المئة، مسجلا أعلى معدل له على الإطلاق.
ويهدف البنك المركزي المصري إلى رفع الفائدة لتعويض المدَّخِرين عن الفارق بين معدلات الفائدة السائدة حاليا في البنوك، ومعدلات التضخم المرتفعة، التي تلتهم قيمة مدخراتهم، وذلك لدفعهم إلى مزيد من الادخار في مقابل الإنفاق الاستهلاكي، وبالتالي امتصاص السيولة وكبح التضخم في الأسواق.
ويرى يشوعي أن طرح عوائد تصل إلى 22 في المئة “يدل على أزمة نقدية عميقة تعاني منها مصر. والعائد الكبير على العملة المحلية، الذي لا يقابله ارتفاع في الاحتياطات النقدية بالعملة الصعبة؛ من شأنه أن يساهم في خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وبالتالي ما يحصل عليه الناس باليد اليمنى سوف يدفعوه باليد اليسرى تضخما إضافيا، وارتفاعا في أسعار السلع والخدمات”.
ويحذر يشوعي من أن رفع الفائدة بنسبة عالية، باعتباره يمكن أن يؤثر على استقرار سعر الصرف، “خصوصا عندما يكون طبع النقد لا يقابله ارتفاع في احتياطات الدولة من العملات الأجنبية على الصعيد الوطني”.
وبحسب توقعات بنوك عالمية، فإن البنك المركزي سوف يتجه إلى تخفيضٍ رابعٍ لقيمة الجنيه قريبًا، قد يتجاوز سعره حدود الـ35 جنيهًا للدولار.
ويقول البشير، الذي عاد إلى بلده الجمعة من رحلة إلى مصر: “لاحظت الوضع المعيشي الصعب للناس في مصر وارتفاع الأسعار وقلة السيولة”.
ورغم ذلك، فإن البشير يرى أن “إغراء الناس لوضع أموالهم في البنوك قد يكون خطوة على طريق حل الأزمة”.
وأوضح أنه “عندما يتم امتصاص السيولة في السوق من خلال رفع الفائدة وجذب الناس لوضع أموالهم في البنوك، فهذا من شأنه أن يساهم في خفض التضخم الذي يعاني منه الاقتصاد المصري بشكل استثنائي”.
ويرى البشير أنه “من ناحية أخرى، إذا انعكست هذه السيولة على تسديد الدولة لالتزاماتها، وتغذية المشاريع القائمة، فهذا كله سيحسن في النهاية من مسألة التضخم”.
وأوضح أنه “عندما تتوفر سيولة لدى الحكومة، فهذا يساهم في خلق ثقة عند المواطن بأن الدولة مستمرة في إنجاز مهامها، وقادرة على دفع التزاماتها، خاصة أن أموال الشهادات عندما يتم ضخها في دفع عجلة المشروعات التي تعمل عليها ستلبي متطلبات سوق العمل من حيث البطالة”.
وأضاف أن المشروعات المطروحة في مصر كثيرة وواعدة، خاصة المتعلقة بالغاز والطاقة بشكل عام والسكك الحديدية، وأنه حين استكمالها، ستدر أموالا لخزينة الدولة.