أهبل…. ( لمن يقرأ )

28 مارس 2023
أهبل…. ( لمن يقرأ )

بقلم سهل الزواهره
” قمة المأساة عندما يتسيد منتعلو الأوطان و يُستَعبد من يحملها في قلبه”

تكاد تُجمع المَعاجِم اللغوية على أن الأهبل هو فاقد الإدراك و التمييز و أن الاستهبال هو إدعاء ذلك و تقمصه و هي كلمة درجت بين العامة و الخاصة للتعبير و الإشارة إلى صاحب التصرفات الحمقاء الغريبة و المضحكة أحيانًا و التي لا يحكمها نسق و لا منطق ، و كُلنا بلا استثناء صادفنا في حياتنا و أطوارها هُبْلًا أو متسهبلين في كل مكان تواجدنا فيه الحارة ، المدرسة ، الجامعة ، العمل و مواقع التواصل الاجتماعي و …، و أنا على ثقةٍ أن من يقرأ كلامي هذا قطعًا ستنتفض ذاكرته مُستعرضةً أولئك الهُبل و المستهبلين الذين مروا في تلك المراحل ، سيتذكرهم و يبتسم …
فلنحمل هذه الكلمة الخفيفة و لننطلق بها إلى واقعنا المُعاش و لنحلل مدى سريان حروفها و معناها في اجتماعنا و سياستنا و اقتصادنا و ثقافتنا و لنرى مقدار الهبل الذي يسري في حياتنا لا بل ربما و يتحكم بها .
أهبلٌ من يتلاعب بثوابت المكان و يزور الزمان و يُغلفه بورقِ فرزٍ هش الخامة و يروح باذلًا الأضواء و القهقهات لترويجه على جسد وطن أصبحت مُسلماته فِجلًا في سوق يسومه أشباه الأشياء …
أهبلٌ من يمتطي دبابة كان وقودها يوما دماء زكية و كان زيت مُحركاتها عرق نقي سال أنهارًا من جِباهٍ طاهرةٍ فاحتضن الصحراء و أخضع رمالها و وحشها ، فأضحى يمتطيها و يجعل من جسدها أرجوحة لتشخيصه و ألاعيبه التي تفيض تفاهةً و نقصًا لا بل تصطك بعض الأكف تصفيقًا و الخصور تراقصًا و الألسن تبريرًا ….
أهبلٌ من يتاجر في هويةِ قومهِ و يتخنجر في قبضة مشبوهة و يُمعن تشويهًا في كل ما يطاله شذوذه الطاغي و حقده الدفين فيفسد اللوحة التي لم يغيرها سطو و لا صفقة …
أهبل من يطارد أوهام الصدارة مُتناسيا أن العجين إذا لم يُخمَّر فكل نار الدنيا لن تجعل منه خبزًا و أن من يرفعك حتما هو قادر على خفضك و أن كل الغزل لن يُجِّمل الطاعن القبيح و لا الأجير الأداة سينفعه المديح ….
أهبلُ من يتوهم الفرادة و تعجبه نفسه لحدٍ تذوب فيه المبادىء و تتداعى الثوابت فيحتبله الآخر من ناصيته الخاطئة و يسوقه مأسورًا مسرورًا متسلحًا بالمواء تارة و بالعواء أخرى بحسب الحال و يبيع ذاكرته في سوق نخاسة نظير دُريهمات مسروقة أو وجاهة رخيصة …
أهبلٌ من يخدعه الشَيب إن لاح في مِفرقٍ و يغفلُ أن الأعمار بيد الله و أن أعمار الأوطان بيد الله كذلك ثم بيدِ رجال شَيبهم نواجد بِيض تسكن و لا تفنى ، تساير و لا تنسى ، تغيب و لكن تؤوب يوما …

أهبلٌ من يظن أن الجلوس على قارعة السياسة وعتبات الأُمم بانتظار توصيلة مجانية تُقِلُّه إلى البقاء و الأمان و يُفرط متبرعًا بكل أوراقه فداءً لتلك التوصيلة و التي لن تأخذه إلا إلى مزيدٍ من التبعية و الضياع …
أهبلٌ من يُراهن أن قصيدتنا ستُنسى و تموت ملامحها الشرقية فقصيدتنا غزلت أبياتها أهداب العين و عطَّر قوافيها عبير السماء و استلقى على صدرها تاريخ و أسند عجزها كرامة كلما راهنوا على خبوها استطالت فقزمت المتذاكي و أنامله اللعوب و أنارت و فرضت النهار على كل الدروب و حقنت أبداننا المُنهكة بسيولٍ من حنين لا يخضع و مجد عنه لن نتوب …
كفى استهبالًا