“الخليج العربي” أم “الخليج الفارسي”؟.. أصل التسمية وتاريخ الخلاف

11 يناير 2023
“الخليج العربي” أم “الخليج الفارسي”؟.. أصل التسمية وتاريخ الخلاف

 

وطنا اليوم – أعلن الاتحاد الإيراني لكرة القدم، قبل عدة أيام، أنه بصدد رفع شكوى لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) احتجاجاً على تسمية خليجي 25 ببطولة الخليج العربي لكرة القدم. وكشفت الهيئة الكروية الإيرانية أنها ستسلم “وثائق غير قابلة للشك بشأن هذه القضية إلى “فيفا” من أجل حملها على “إصلاح الأخطاء غير المناسبة” في استخدام الأسماء، التي تتعارض مع الأعراف الدولية، وفق الوكالة الإيرانية.

ويُطلق اسم الخليج العربي/الفارسي على الممر المائي الذي يقع بين الهضبة الإيرانية وشبه الجزيرة العربية. ويمتد من خليج عمان جنوباً حتى شط العرب شمالاً بطول 965 كيلومتر. وتبلغ مساحته ما يزيد عن 200 ألف كيلومتر مربع، فيما يتراوح عرضه بين 370 كم في بعض المواضع إلى 55 كم عند مضيق هرمز.

ما هو أصل الخلاف بشأن تسمية الخليج؟ ومن أين جاء اسما “الخليج العربي” و”الخليج الفارسي”؟ وكيف تسبب ذلك الخلاف في وقوع التصادم بين إيران والدول العربية الخليجية في السنوات الأخيرة؟

الخليج الفارسي.. وجهة النظر الإيرانية

عُرف الخليج بأسماء مختلفة عند الشعوب التي سكنت العراق قديماً مثل السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين. مع ظهور الإمبراطورية الفارسية الأخمينية في القرن السادس قبل الميلاد ظهرت تسمية الخليج الفارسي أو خليج فارس. وبدأت في الانتشار شيئاً فشيئاً. تشهد على ذلك بعض الوثائق التاريخية المحفوظة في متحف اللوفر بفرنسا، التي تعود إلى ما يقرب من الخمسة وعشرين قرناً. التي ورد فيها تسمية الخليج بالفارسي.

بشكل عام، استمرت تسمية الخليج بالفارسي عقب استيلاء العرب المسلمين على الأراضي الفارسية في القرن السابع الميلادي. لم يجد المسلمون عندها بأساً في ذلك الاسم، خصوصاً أن الإسلام تغلغل في بلاد فارس. وتمكن من فرض نفسه دينا رئيسيا في تلك المنطقة.

في الحقيقة، نمتلك الكثير من الكتابات التاريخية التي أعلن فيها المؤرخون المسلمون عن هوية الخليج الفارسية. في القرن العاشر الميلادي كتب ابن خرداذبة في كتابه “المسالك والممالك” عن نهر دجلة فقال: “…ثم تمر دجلة وسط مدينة بغداد ثم تمر بواسط إلى أن تصب إلى البطائح ومقدارها نيف وستون ميلاً ثم تخرج فتفترق فرقتين‏:‏ فرقة تمر إلى البصرة وفرقة أخرى تمر إلى ناحية المذار ثم يصب الجميع إلى بحر فارس ومقدار مسافة دجلة منذ ابتدائها إلى منتهاها ثمان مائة ميل ونيّف”‏.‏

وكتب المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” عن الخليج وسماه بحر فارس. وعدّه واحداً من البحور الأربعة المتصلة مع بعضها البعض. يقول المسعودي: “…إن بحر الصين والهند وفارس واليمن متصلة مياهُهَا غير منفصلة، على ما ذكرنا، إلا أن هيجانها وركودها مختلف لاختلاف مهاب رياحها وآثار ثورانها وغير ذلك، فبحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند واستقامة ركوبه وقلة أمواجه، ويلين بحر فارس، وتقلُّ أمواجه، ويسهل ركوبه، عند ارتجاج بحر الهند، واضطراب أمواجه وظلمته، وصعوبة مركبه..”.

في السياق نفسه، كتب المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه “البدء والتاريخ” عن الخليج فقال: “ويسمون بحر فارس الخليج الفارسي، طوله مائة وخمسون فرسخاً وعرضه مائة وخمسون فرسخاً…”.

وكذلك ذكره ابن حوقل في كتابه “المسالك والممالك” فقال: “…وأتبعت ديار العرب بعد أن رسمت فيها جميع ما تشتمل عليه من الجبال والرمال والطرق وما يجاورها من الأنهار المنصبة إلى بحر فارس ببحر فارس لأنه يحتف بأكثر ديارها وشكلت عطفه عليها..”.

جاء ربط الخليج ببلاد فارس في كتابات القرن الثالث عشر الميلادي أيضاً. يذكر ياقوت الحموي في كتاب “معجم البلدان” أن “بحر فارِسَ: هو شعبة من بحر الهند الأعظم، واسمه بالفارسية كما ذكره حمزة: زراه كامسير، وحدّه من التّيز من نواحي مكران على سواحل بحر فارس إلى عبّادان، وهو فوه دجلة التي تصبّ فيه…”. أما في القرن الرابع عشر الميلادي فقد تحدث سراج الدين بن الوردي عن عجائب هذا الخليج في كتابه “خريدة العجائب وفريدة الغرائب” فقال: “خص الله بحر فارس بالخيرات الكثيرة والبركات الغزيرة والفوائد والعجائب والطرف والغرائب، منها مغاص الدر الذي يخرج منه الحب الكبير البالغ، وربما وجدت الدرة اليتيمة التي لا قيمة لها. وفي جزائره معادن أنواع اليواقيت والأحجار الملونة النفيسة ومعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والسنباذج والعقيق وأنواع الطيب والأفاويه”.

استمر اسم الخليج الفارسي مستخدماً من قِبل السلطات الإيرانية في العصور الحديثة. وجرى التأكيد على الهوية الفارسية له بشتى السبل. في سنة 2006، قام المجلس الأعلى للثورة الثقافية في الجمهورية الإسلامية في إيران بتسمية اليوم الثلاثين من شهر أبريل من كل سنة -وهو اليوم الذي يصادف الذكري السنوية لطرد البرتغاليين من مضيق هرمز- باليوم الوطني للخليج الفارسي.

وكذلك استخدم الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد تلك التسمية في سنة 2011 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما دعا قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمغادرة منطقة الخليج قائلاً: “…أستطيع أن أقول لكم اليوم وبشكل حازم جداً إنه إذا غادر الحلف الأطلسي الخليج الفارسي وبحر عمان، فإن إيران ستسهر على أمن المنطقة”.

الخليج العربي.. وجهة النظر العربية

على الجهة المقابلة، وردت تسمية الخليج العربي في عدد من المصادر التاريخية المهمة أيضا. على سبيل المثال، يذكر قدري قلعجي في كتابه الخليج العربي (بحر الأساطير) أن المؤرخ الروماني بلينيوس الأصغر كان أول من أطلق على الخليج اسم الخليج العربي في القرن الأول الميلادي وذلك عندما أراد وصف مدينة (خارک) التي تُعرف في وقتنا الحالي بمدينة المحمرة، حيث قال “الشراکس هي مدينة تقع في أقصى أطراف الخليج العربي”. بشكل عام أُطلقت بعض الأسماء التي تحمل الصبغة العربية على هذا الخليج في القرون الأخيرة. منها كل من خليج البصرة، وخليج عمان، وخليج البحرين، وخليج القطيف، وبحر القطيف، وبحر العراق.

من ناحية أخرى، ذكرت بعض المصادر العربية أن هناك بعض النصوص الزرادشتية القديمة التي تثبت الهوية العربية للخليج. أطلقت تلك النصوص اسم “البحر التازي” على الخليج. ومن المعروف أن كلمتي “تازي وتازيك” تعنيان العربي في اللغة البهلوية التي كانت تسود إيران إلى جانب الآرامية كلغة رسمية للإمبراطورية الساسانية قبل الفتح العربي الإسلامي.

تميل معظم الآراء إلى أن استخدام تسمية الخليج العربي بشكل ثابت وقع في العصور الحديثة. ويذكر البعض أن السياسي البريطاني تشارلز بلغريف كان أول غربي يستخدم اسم الخليج العربي في مجلة صوت البحرين سنة 1955م، وذلك إبان فترة توليه وظيفة مستشار حاكم البحرين.

في المقابل، يربط البعض بين استخدام ذلك الاسم وصعود التيار القومي العروبي في فترة خمسينيات القرن العشرين. يوضح الباحث حسن منيمنة تفاصيل هذا الرأي فيقول: “…صيغة “الخليج العربي” هي بالفعل مستحدثة، ومن اقترحها هو رجل الأعمال والنائب اللبناني إميل البستاني، في خمسينيات القرن الماضي، في أوجّ الهبّة القومية العربية، انطلاقاً من أن سكان شواطئ الخليج، سواء في الدول العربية المتاخمة له أو في إيران نفسها هم من العرب أو الناطقين بالعربية. واعتماد التسمية تمّ تلقائياً في الثقافة العربية”.

الصراع على التسمية

تسبب الخلاف في تسمية الخليج في اندلاع الكثير من المشكلات بين إيران والدول العربية الخليجية في السنوات السابقة. في سنة 2009، تسببت تلك المسألة الجدلية في حدوث مشكلة كبيرة في الدورة الثانية لألعاب التضامن الإسلامي بطهران وذلك عندما طبعت اللجنة المنظمة اسم الخليج الفارسي على الميداليات ورفضت الاقتراح العربي بتغيير الاسم ليصبح الخليج فقط.

وقال علي أكبر ناطق نوري رئيس دائرة التفتيش بمكتب المرشد الإيراني وقتها إنه “لا يمكن إطلاقاً تغيير اسم الخليج الفارسي”، مؤكداً عدم تراجع الإيرانيين عن موفقهم بهذا الخصوص حتى إذا ألغيت الألعاب أو أي برامج أخرى. على إثر ذلك الموقف رفض اللاعبون العرب المشاركة في فعاليات البطولة. استمر حضور ذلك الجدل على الصعيد الرياضي في سنة 2013، عندما أعلن الاتحاد الإيراني لكرة القدم أنه سيقدم شكوى إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” ضد الإمارات، بعد قرار لجنة دوري المحترفين الإماراتية تغيير اسم الدوري المحلي لكرة القدم من “دوري اتصالات” إلى “دوري الخليج العربي”.

وفي سنة 2016 حان دور الدول العربية الخليجية للشكوى عندما تقدمت بعثتا السعودية والإمارات المشاركتان في دورة الألعاب البارالمبية في البرازيل باحتجاج رسمي للجنة المنظمة العليا لدورة “ريو 2016” بسبب استخدام البعثة الإيرانية لاسم “خليج فارس” على ملابسها والعلم الإيراني الذي يغطي أجزاء من دول خليجية، واعتبرتا ذلك يشكل مخالفة إيرانية للأعراف وللوائح والأنظمة المعتمدة من قبل اللجنة البارالمبية الدولية، التي تؤكد عدم إثارة القضايا السياسية والعرقية والدينية في الألعاب.

لم تقف حدود المشكلة عند النزاع بين إيران والدول الخليجية بل تخطت ذلك لتصل إلى الصدام مع بعض المؤسسات العالمية. على سبيل المثال، اعتادت جمعية ناشيونال جيوغرافيك على استخدام مصطلح الخليج الفارسي حتى سنة 2004م. في تلك السنة أصدرت بعض المنشورات التي غُير فيها الاسم إلى الخليج العربي. تسبب ذلك في حالة من الغضب في طهران. ولم يهدأ ذلك الغضب إلا بعد أن أعادت الجمعية تسمية الخليج بالفارسي في منشوراتها الجديدة.

في سنة 2012. تجدد الغضب الإيراني مرة أخرى بعدما اشتكت طهران من أن خدمة الخرائط التي يقدمها موقع غوغل لا تحوي اسماً للخليج المائي الذي يطلق عليه الإيرانيون “الخليج الفارسي”. وهدد نائب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي وقتها قائلاً: “إن من شأن مثل هذه الخطوة أن تُفقد محرك البحث العالمي مصداقيته في الشرق الأوسط”. رد مسؤول في موقع غوغل على تلك الشكوى بأن موقع غوغل لم يغفل وضع اسم على هذا الخليج فقط ولكن هناك أماكن أخرى حول العالم لم تعرفها غوغل. وأضاف المسؤول أن مؤسسة غوغل لا تريد أن تتخذ خطوة قد تتسبب في حدوث موقف سياسي معين استجابة للغضب الإيراني.

في سنة 2010 نشب صدام بين طهران وبعض شركات الطيران الأجنبية بعدما حذر وزير النقل الإيراني حميد بهبهاني أي شركة طيران أجنبية من استخدام مصطلح الخليج العربي، مهدداً بمنعها من دخول المجال الجوي الإيراني.

حالياً، تُستخدم تسمية الخليج العربي رسمياً من قِبل جامعة الدول العربية، وكافة البلدان العربية. فضلاً عن المنظمات والمؤسسات العربية. أما على الصعيد العالمي فلا تزال تسمية الخليج الفارسي هي التسمية الغالبة. وفي بعض الأحيان تلجأ بعض الجهات إلى تسميات الخليج، أو الخليج العربي- الفارسي، أو الخليج الإسلامي كأسماء حيادية تشير إلى المكان الجغرافي دون تحيز.