وطنا اليوم:غيب الموت اليوم الثلاثاء، المحامي المصري المخضرم فريد الديب عن عمر 79 عامًا، قضى منهم ما يقرب من ستة عقود في ساحات المحاكم، ترافع خلالهم في القضايا الضخمة والمثيرة للجدل.
وهزم مرض سرطان الدم محام استطاع الدفاع في أكبر القضايا التي شغلت وأثارت الرأي العام المصري والعربي، أبرزها الدفاع عن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وكذلك الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام.
كانت آخر القضايا التي دخل فيها على خطوط الاشتباك، قضية مقتل الطالبة المصرية نيرة أشرف قبل أشهر قليلة التي قتلت ذبحًا وسط الشارع أمام جامعة المنصورة على يد زميلها محمد عادل ووثقت كاميرات المراقبة الجريمة لتهز الرأي العام المصري حينها.
وكعادته يسير المحامي الراحل عكس التيار ويقرر الدفاع عن محمد عادل قاتل نيرة أشرف، بتقديم مذكرة الطعن لنقض حكم الإعدام الصادر بحق القاتل، متجاهلا ملايين المتعاطفين مع الفتاة التي قتلت بطريقة بشعة لرفضها الارتباط بقاتلها”، بحسب حكم المحكمة.
مسيرة فريد الديب الذي ولد في 23 أكتوبر عام 1943، بمنزل جده لأبيه في القلعة بالعاصمة القاهرة، وتوفي بأحد مستشفيات محافظة الجيزة المصرية اليوم الثلاثاء، بدأها بدراسة القانون في كلية الحقوق، جامعة القاهرة، وتخرج في مايو عام 1963، بتقدير جيد جدًا، لتستمر المسيرة لمدة 60 عامًا، وتتواصل داخل المحاكم، حتى بعد إعلان اعتزاله الترافع في القضايا إلى أنه ظل يكتب مذكرات الطعن، حتى أنهى الموت تلك المسيرة الطويلة.
وبدأ “الديب” خلال مسيرته المثيرة معاركه في مهنته مبكراً، عندما أقصي من منصبه بالنيابة العامة في مصر عام 1969 في ما عرف حينها بـ“مذبحة القضاة“ باعتباره أحد الأشخاص الذين سجلوا موقفًا مغايرًا للقضاة، حيث أبدوا رفضهم التام لتدخل السياسة في عملهم، ولم يستمر في هذا المنصب سوى 6 سنوات، حيث تم تعيينه في 25 أكتوبر عام 1963.
رد اعتبار المحامي الراحل، عقب انتصار أكتوبر، بعدما تمت إعادته لمنصبه تحديداً في 1 أغسطس 1973، ليعلن عقب أيام من عودته وتحديداً في 6 سبتمبر من نفس العام، الاستقالة، ويبدأ في سلك طريق المحاماة وهو في سن الـ30 عاماً لعشقه لتلك المهنة التي جعلته من أهم وأشهر المحامين في المنطقة العربية.
وتبدأ مسيرة القضايا المثيرة للجدل، للمحامي الراحل بقبوله الدفاع عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، في أبريل عام 1996، وبرغم تلقيه رسالةً موقعة من 12 محاميا آخر، أعلنوا فيها أن مرافعته للدفاع عن عزام هي خيانة للوطن، إلا أنه أصر وواصل الدفاع، ليذيع صيته بقوة، وتبدأ رحلة القضايا المثيرة للجدل مع المحامي الشهير.
لم تكن قضية الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وحدها، التي أغضبت قطاعات كبيرة من المصريين من فريد الديب، بل في أعقاب ثورة 25 يناير في مصر، في الوقت الذي كان يحاول الجميع فيه عدم الاقتراب من أسرة الرئيس الأسبق حسني مبارك عقب تنحيه في 11 فبراير 2011، تحدى فريد الديب تلك القطاعات الكبيرة من المصريين، وأعلن ترافعه عن مبارك وأسرته في المحاكمة الضخمة التي عرفت في مصر بمحاكمة القرن، حتى استطاع أن يخرج مبارك وكامل أسرته بأحكام البراءات المتتالية في التهم التي ظن كثير من المصريين أنها ستلف حول رقابهم المشانق.
ولم يكن مبارك الرئيس الوحيد الذي ترافع عنه فريد الديب، فقد سبقه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعدما أصبح “الديب” محامي الرئيس حينها في قضية التشهير التي أقامتها أسرة السادات ضد صحيفة العربي الناصري المصرية التي اتهمت الرئيس الراحل حينها بـ“الخيانة“.
سلسلة مرافعات القضايا المثيرة للجدل، لفريد الديب عديدة، فقد ترافع المحامي الشهير من قبل، عن الأديب العالمي نجيب محفوظ، والدكتور سعدالدين إبراهيم، والدكتور أيمن نور، وإبراهيم سعدة، وعدد كبير من الفنانين منهم فيفي عبده ويسرا، وثناء شافع، ونجوى فؤاد.
وكانت آخر القضايا التي ترافع فيها فريد الديب، وشغلت الرأي العام، قبل أن يتفرغ لكتابة مذكرات الطعن على الأحكام، كانت الدفاع عن رجل الأعمال المصري، حسن راتب في القضية الشهيرة التي عرفت إعلاميا بـ“قضية الآثار الكبرى، والتي قضت فيها المحكمة بسجن راتب 5 سنوات فقط في شهر مارس الماضي.
وحينها كشف لأول مرة فريد الديب عن مرضه الذي انهى حياته اليوم، حينما أمام محكمة جنايات القاهرة، أعلن اعتزاله المهنة بسبب مرضه بالسرطان وتقدمه في السن، وإن هذه المرافعة قد تكون الأخيرة له، وقد كانت بعدما تفرغ لكتابة مذكرات النقض قبل أن نتنتهي المسيرة المليئة بالقضايا المسيرة للجدل بالموت عن عمر 79 عاما.
أما آخر القضايا التي قدم بها مذكرة الطعن بعد اعتزاله الترافع في المحاكم، كانت تقديم مذكرة الطعن على حكم الإعدام الصادر بحق محمد عادل قاتل زميلته نيرة، لكن كان للموت الأسبقية ولم يستطع المحامي المخضرم معرفة مصير الطعن الذي تقدم به الشهر الماضي بعد وفاته اليوم.