القانون الجنائي الدولي وجرائم إسرائيل في فلسطين

15 أكتوبر 2022
القانون الجنائي الدولي وجرائم إسرائيل في فلسطين

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

إن الديباجة والمادة الأولى من نظام المحكمة الجنائية الدولية قد أقرتا بوضوح مبدأ التكامل بين المحكمة الجنائية الدولية والجهاز القضائي الداخلي لأي دولة ، فإن هذا لا يعني التقليل من دور المحكمة الجنائية الدولية بإحتلالها المقام الثاني مقارنة بالإختصاص الوطني الممنوح للدول الأعضاء في هذا النظام ، بل الحقيقة هي أن دور المحكمة الجنائية الدولية تظهر بوضوح إذا ما إرتأت هذه الأخيرة بأنه ثمة خلل أو تقصير من طرف الجهاز القضائي الوطني ، لأن المحكمة الجنائية الدولية لم تؤسس للتدخل طالما الهيئات القضائية الوطنية تمارس إختصاصها المكاني ، كما أن المحكمة الجنائية الدولية إذا إهتمت بقضية ما فهذا يعنى بأنه ثمة تقصير من طرف الجهاز القضائى الوطني ، أما وطالما أن الدولة العضو تقوم بمهمتها في ردع الجريمة الدولية ، فإن المحكمة الجنائية الدولية في هذه الحالة تقوم بدور المراقب ولا يحق لها التدخل ، لكن إذا أخلت هذه الدولة أو السلطة ( كالسلطة الوطنية الفلسطينية ) بهذا الدور وقامت بما يتعارض جزئياً أو كلياً مع الأهداف المرجوة من القضاء الدولي الجنائي أو تقاعست كلية عن القيام بردع الجرائم المقترفة ، ففي هذه الحالة يحق للمحكمة الجنائية آلدولية التدخل ، لكن دور المحكمة الجنائية في ردع وتوقيف الجريمة الدولية لا يظهر دائما بصفة مباشرة بل قد يتجسد هذا الدور عندما تكون الآلية القانونية الوطنية بصدد القيام بوظيفتها ، كما أنه في هذه الحالة يتجسد دور المحكمة الجنائية الدولية في دور المراقب أي جهاز مراقبة فقط ، لذا على الهيئات القانونية أن تقوم بوظيفتها في ظل مراعاة أهداف النظام الأساسي لروما ، وهذا معناه أن سلطة الدول في ردع الجريمة الدولية يعتمد على القانون المنبثق عن نظام روما وليس عن نظامها الوطني ، وهذا هو الطابع الوقائي الذي يميز المحكمة الجنائية الدولية حيث يبين خصوصية القمع الجنائي الذى تم ذكره في إتفاقية روما عام 1998 والذي يختلف عما هو مذكور في الأنظمة الأساسية للمحاكم الوطنية ، كما أن المساعي والأهداف التي ذكرت في إتفاقية روما لعام 1998 تنقسم إلى قسمين .
القسم الأول : مساعي غير مباشرة وتتجلى في سعي المدعين العامين وقضاة المحكمة الجنائية الدولية إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان بفرض إلتزامات على الدول في كيفية محاربة وقمع الجريمة الدولية ومن ثم تمكين المحكمة الجنائية الدولية في أن تكون العين الحارسة بغية تفعيل ميدان محاربة الجريمة الدولية ومرتكيبيها وتخص بالذكر رؤساء الدول ، لأن الوقاية الردعية عامل هام يساعد على إرساء عدالة دولية جنائية دائمة ، من جهة ويجعل الدولة تحافظ على صلاحياتها في الميدان من جهة ثانية ، لأن الهدف يبقى دائما هو عقد العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم ، وأن يكون من واجب كل الدولة أن تمارس ولاياتها القضائية الجنائية على أولائك المسؤولين عن إرتكاب جرائم دولية ، كما يهدف هذا القانون الجنائي الدولي أيضا إلى تعزيز القانون الوطني ومن ثم تعزيز القمع الجنائي للجريمة الدولية .
أما القسم الثانى : مساعي مباشرة وتتجلى هذه المساعي في السماح للحكمة الجنائية الدولية بإكتساب قيمة قانونية ذات بعد عام ، من أجل القيام بوظيفتها في ميدان القمع الدولي الجنائي بشكل مباشر ، وذلك بمنح مجلس الأمن إمكانية اللجوء إلى المحكمة في حالة ما إذا كانت الجرائم المرتكبة تمس بالسلم والأمن الدوليين ، حيث إذا أحال مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية يظهر فيها أن هناك جريمة حرب أو أنتهاكات لحقوق الإنسان أو أكثر من هذه الجرائم قد إرتكبت ، وهنا نلاحظ أن الميدان العملي للمحكمة الجنائية الدولية أوسع وأشمل ، غير أنه إذا كان تدخل مجلس الأمن الدولي يحل مشكلة نسبية البعد القانوني فهو لا يحل مسألة مبدأ التكامل ، لأن مبدأ التكامل هو عبارة عن ضمان لسيادة الدولة ، فمنح الأولوية للدولة لمحاكمة رعاياها أو الأشخاص الذين إرتكبوا جرائم على أقليمها عبارة عن محاولة للتوفيق ما بين إختصاص الدولة واختصاص المحكمة من طرف أعضاء المحكمة الوطنية وذلك للحفاظ على الصلاحيات السيادية للدول في مجال القمع الدولي الجنائي ، ولقد تم تكريس قواعد قانونية ذات طبيعة خاصة لتحكم الجريمة ضد الإنسانية سواء من طرف واضعي النظامين الأساسيين لمحكمتي نورمبرغ وطوكيو أو من طرف واضعي نظامي المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة ومحكمة رواندا ، كما أعتبر رجال القانون الدولي والمحامين المختصين أن هذه المحاولات لا تخلوا من نقائص كبيرة حتى وإن وفرت مصدراً ماديا يعتمد عليه في المستقبل لإرساء قاعدة تحكم هذه الجريمة فهي ليست مصدرا رسميا أي ليست قاعدة قانونية صرفة هذا من جهة ومن جهة ثانية فقد ورد في إتفاقية الأمم المتحدة المبرمة فى عام 1968 حول عدم تقيم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والتي أتت لتكرس ما أسفرت عنه محاكمات نورمبرغ وطوكيو وما جاء به القانون العرفي في هذا الميدان ، إلا أنه في الحقيقة لم تقم بتقيم هذه الجريمة بقدر ما سعت إلى إرساء ضمانات قانونية لقاعدة يفترض أنها أصبحت جزءاً من القانون الوطني ، كما أنه لم يحالف الحظ هذه الإتفاقية حيث لم تلق القبول الدولي المنتظر ، وحتى قضية مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين في نظامي لاهاي إلا أنه لا يعد قاعدة قانونية دولية وذلك لطبيعة النظامين ، أما فيما يتعلق بمبدأ عدم التقادم فقد تمت الإشارة إليها فى إتفاقية عام 1968 بعدم تقادم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإنتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والتى تشمل حتى جرائم أخرى كالإبادة والعدوان ، فما تقوم به إسرائيل من جرائم في فلسطين منذ أكثر من سبعين عاماً مثلا يمكن حصرها فى ثلاث إتهامات وهى :
الأولى : جرائم ضد الإنسانية وإنتهاكات لقوانين وأعراف الحرب في فلسطين .
الثانية : إنتهاكات لقوانين وأعراف الحرب إنتهاكات خطيرة لإتفاقيات جنيف وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين .
الثالثة : جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية مخالفات خطيرة لإتفاقيات جنيف وإنتهاكات جسيمة لقوانين وأعراف الحرب في فلسطين .
وأيضا فى حالة إمتناع دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي الدولي عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية يجوز للمحكمة أن تخطر بذلك جميع الدول الأطراف أو مجلس الأمن الدولي إذا كان مجلس الأمن قد أحال القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية ، ففي حالة عدم إمتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة الجنائية الدولية بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة لوظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام ، كما يجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تتخذ قراراً بأن تحيل المسألة إلى مجلس الأمن الدولي إذا كان مجلس قد أحال المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية ابتدأ ، وحتى إن كان لا يوجد من يشكك في حسن نية الدول ورغبتها في قمع ومحاربة الفظائع والجرائم التي ترتكب ضد البشرية والحد من الإفلات من العقاب ، فإن تاريخ الشعوب وتاريخ الأمم يشهدان على عدم إحترام بعض هذه الإلتزامات الدولية لأسباب متعددة وأحد هذه الأسباب يتمثل في عرقلة القمع الجنائي خاصة إذا المستهدف القضاء الوطني في الدولة أو السلطة ٠