وللرداءة خطابها وطلابها ..

8 أكتوبر 2022
وللرداءة خطابها وطلابها ..


وطنا اليوم:

بقلم :ابراهيم عبدالمجيد القيسي.

كم تثق بالناس؟ .. وهل تعتقد بأنهم يفهمونك إن أنت تحدثت؟ .. إن كانت إجابتك سلبية، تفصح عن انهيار الثقة وتعطل لغة الكلام بين الناس، فأنت من قوم ينقرضون بلا هوادة..

هذه ربما نموذج من أسئلة لا يمكن أن تستخدمها مراكز الدراسات الاستراتيجية، لا سيما تلك التي “تتوعد” الحكومات ب”شلفقة” استطلاعات رأي ليست لصالح الحكومة، نمط آخر من التهديد والابتزاز، وذلك على اعتبار أن هناك جهة أو جهات تنظر الى مثل هذه الاستطلاعات بعين “إصلاحية” نقادة، لكننا كلنا نعلم أن استطلاعات بعض مراكز الدراسات، مهما حاولت أن تحشد من “الجماهير”، فهي لن تحشد سوى بعض الإجرائيين، الذين يكتبون تقاريرهم لصانعي القرار، حيث النوايا عن القرارات الجديدة تحضر قبل اجراء الاستطلاعات ونتائجها..

لا أعرف ما القاسم المشترك، الذي أدخلني إلى ساحة الحديث عن الاستطلاعات والدراسات، وأنا في حقيقة الأمر أريد التحدث عن الرداءة والتفاهة، حين تستحوذ على الإعلام والاهتمام، وتستغل عدم رشد الرأي العام؟!.

قبل أيام؛ كان هناك حدث مؤسف في منطقة البحر الميت، كشف عن عمق الرداءة حين يروج خطاب الرداءة نفسها، وهو الحدث المتعلق بالمؤثرين على وسائط ال… سوشال ميديا، وقد شكل هذا الحدث صدمة لكل من يترفع عن الدونية، ويسعى لمزيد من تنوير ومعرفة والتزام بالمثل والمبادىء والقضايا الكبرى.. ولا أريد الدخول في تفاصيل “الروائح” التي فاحت، ثم راجت، حول الحدث، بل العودة لنموذج الأسئلة في المقدمة:

هل ثمة مكان للفضيلة والعمل الجاد، وهل يمكننا أن نطمئن أن هناك من يفكر أو يخطط لحل مشاكل وتحديات البلاد والعباد؟ .. لا أتحدث عن الأردن وحده، بل عن كل شركائنا في الهم، الذين فقدوا البوصلة بعد أن غرقت أوطانهم بالمفارقات والنكبات والمديونيات، والبطالة و”العطالة”.. فكلهم فقدوا البوصلة، ويدورون في أفلاك عشوائية، في فضاء الميديا والانترنت والعدنية وعلى غير هدف ولا هدى.

لو سألنا أي ضيف أو مشارك أو “مؤثر” في ذلك الحدث:
هل يقبل أن ينطلق مثل هذا الحدث من بيته، أو يشارك فيه أحد من أهله “اخوانه وخواته ووالديه” ؟!.. أجزم بأنهم كلهم سيرفضون الاقتراح والسؤال، وهذا دليل حي، لم يفت الوقت بعد على اختبار صحته، فما عليكم الا سؤال أي شخص تواجد هناك، سواء أكان موظفا أو من جماعة منظمي اللقاء، أو حتى من الضيوف من أية ملة كانوا.. كلهم سيرفضون الرداءة، ومع ذلك يغوصون فيها؟ .. فمن يمكنه تفسير هذا الأمر !.

كل يوم نزداد قناعة بأن التفاهة تتمدد، والرداءة في القول والفعل والتأثير، تسود، وقضايانا الكبرى والصغرى، يطويها الزمان الحافل بالرديئين، وخطابهم، ومع علمنا هذا فلا نفعل شيئا، سوى الركون للصمت (والصمت علامة الرضا)، وأخطر ما في الأمر أن كل مديري ومنفذي الأجندات المحليين وحول العالم، يستغلون هذا الصمت، وانشغال الناس بالتفاهة، ويقفزون خطوات شاسعة على طريق تحقيق أهدافهم، أي أن هناك تدميرا لا يتوقف، ويوازي انتشار وتعميم التفاهة ..
ولو ثمة متسع لتحدثنا تحليلا عن بعض الأمثلة المحلية والعالمية، التي جرت أو تجري، ولا يحصد منها العالم والمجتمعات سوى مزيد من الانهيار..

بسبب الرداءة وتاثير من “مؤثريها”، ارجو أن لا نصحو يوما وقد فقدنا اوطاننا أو مدخراتنا أو وظائفنا أو فرص حياة أطفالنا وأملهم ومستقبلهم .. الذي هو مستقبل بلادنا، ومسؤوليتنا في الدنيا والآخرة.

قاتل الله الرداءة وخطابها وطلابها.