درس من التاريخ القديم : بلاد الشام في الفترة بين 1400 – 1300 قبل الميلاد

25 سبتمبر 2022
درس من التاريخ القديم : بلاد الشام في الفترة بين 1400 – 1300 قبل الميلاد

أ.د. زيدان كفافي

برأيي المتواضع ، إن لم تكن على معرفة بتاريخ الأشياء فإنك لا تعرفها ، وتفقد أهميتها لديك مهما علا شأنها وقيمتها. وخاطرة اليوم مقتبسة من كتاب لي عنوانه ” تاريخ بلاد الشام وآثارها في العصور القديمة: من عصور ما قبل التاريخ وحتى مجيئ الاسكندر المكدوني”، منشورات در الشروق – عمّان. اقتبستها لأني رأيت فيها أحداثاً جرت قبل حوالي 3400 سنة من الآن، تركت لنا درساً لم نتعلم منه للأسف. وسياق الأحداث هو:

كان يا مكان في قديم الزمان فرعون مصري عظيم اسمه تحتموس الثالث (حوالي 1490- 1436 قبل الميلاد) حكم على مصر، وساعدته في بداية حكمه (حوالي 1490-1468 ق.م) زوجة أبيه الفرعونة حتشبسوت إذ كان صغير السن حين اعتلائه للعرش.  أراد هذا الفرعون أن يعيد لمصر سيطرتها على بلاد الشام، فجرد عليها 17 حملة عسكرية فخضع البلاد والعباد تحت السيطرة الفرعونية. ليست هذه المشكلة، وليس هذا الأمر هو هدف هذه الخاطرة.

سيداتي، سادتي  موضوع خاطرتنا هو أن  “العسكر غير الدفتر”، إذ تغير الحال مع بداية القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث زالت السيطرة الميتانية عن شمالي بلاد الشام، وحلت مكانها الحثية، كما أن مصر باعتلاء الفرعون أمنحوتب الرابع (أخناتون) على العرش، تزامن مع وجود صراعات داخلية في مصر مما صرفها عن الاهتمام ، كما كان الحال سابقاً، بالأمور العسكرية. فانقلبت الأحوال  أيضاً في بلاد الشام  فبغياب السلطة الفرعونية  عنهم أخذ أمراء وحكام دويلات -المدن يتصارعون مع بعضهم بعضا. وكون أن حلال المشاكل بينهم ،”أقصد الفرعون أخناتون”، لم يعر أي اهتمام  لأمرهم ، مما أدى إلى ظهور نزاعات بين هؤلاء الحكام . السبب أن أخناتون ركز كل اهتمامه  على التحول الدين من عبادة عدد من الآلهة وعلى {اسها الإله “أمون” إلى عبادة إلى واحد يتمثل بأشعة الشمس وهو الإله “أتون”.  وطالما أن حكام ولايات المدن الشامية لم يستطيعوا أن يحلوا مشاكلهم بأيديهم، أرسلوا للفرعون المصري  رسائل  فاق عددها الأربعمائة رسالة، يطلبون منه النجدة  والعون ضد بعضهم بعضاً…لكن الفرعون لم يسمع ولم يجب لهم.  

عثر على هذه الرسائل في مصرفي موقع  اسمه “تل العمارنة” ، حيث نقل أخناتون عاصمته إلى هناك، فسميت الرسائل بهذا الإسم.  تؤكد  هذه الرسائل المرسلة من ملوك وأمراء المدن الشامية أن الفراعنة الذين حكموا خلال النصف الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد لم يعطوا الدعم العسكري الكافي لحكام هذه المدن، الذين أقسموا لهم الطاعة. 

في هذه الأثناء بلغت مملكة الحثيين في بلاد الأناضول (تركيا الحالية) قدراً كبيراً من القوة، فأدى هذا الأمر إلى استغلال الحثيون وضع مصر الضعيف عسكرياً فانقضوا على شمالي بلاد الشام، ووصل ملكهم شبليوليوما إلى المنطقة الواقعة إلى الغرب من مدينة حلب. وعندما دخل شبليوليوما في موقع تل العطشانة، قدم إليه ملك راس شمرة (أوغاريت)، واسمه نيقمادو، وعقد معه معاهدة. وبعد وصول جحافل الجيش الحثي إلى حمص اتصل به الملك “عزيرو” حاكم أمورو، الذي كان يتبع رسمياً للفرعون المصري. وفي إحدى رسائل تل العمارنة (EA 169, 170) المرسلة من حاكم مدينة جبيل يتهم فيها “عزيرو” بخيانة الفرعون المصري، فما كان من هذا إلاّ أن سافر إلى مصر لإظهار ولائه، وضحد اتهامات حاكم جبيل.  

وفي الوقت الذي كان فيه شبليوليوما يحاصر مدينة جرابلس (كركميش) تلقى رسالة من ملكة مصرية، اقترحت فيها تحالفاً بين البلدين يدعم بزواجها من أحد أبنائه. وهذا الأمر يظهر اعترافاً مصرياً بالقوة العسكرية الحثية ودورها في المنطقة. فقام الملك الحثي بإرسال أحد أبنائه تلبية لرغبة الملكة المصرية، إلاّ أن المصريين قتلوه وهو في طريقه إلى بلادهم. فما كان من عزيرو، الملك الأموري، إلاّ أن أظهر ولاءه لشبليوليوما. وهكذا أصبحت المنطقة الواقعة إلى الشمال من مدينة حمص بأيدي الحثيين. 

وبعد تأسيس الأسرة المصرية التاسعة عشرة بدأ صراع خفي بين مصر وحاتاي (بلاد الحثيين) للسيطرة على بلاد  الشام، تأجج في معركة قادش التي جرت بين رمسيس الثاني وماوتاليس الثاني في حوالي عام 1260 قبل الميلاد. وانتهت هذه المعركة بتوقيع معاهدة سلام بين الطرفين، وقعها عن الجانب الحثي الملك حاتوسيل الثالث، نتج عنها اقتسامهما لبلاد الشام، فحكمت مصر على المنطقة الواقعة للجنوب من سهل حمص، بينما وصل في المنطقة الساحلية إلى مدى أبعد باتجاه الشمال.، وأما مصر فسيطرت على المنطقة الواقعة إلى الجنوب منها.

لتتشابك الأيادي في خدمة الأردن بقيادة الأسرة الهاشمية

وتوته توته خلصت الحدوتة………………والله من وراء القصد

أ.د. زيدان عبدالكافي كفافي

عمّان في 25/ 9/ 2022م