بين جرة مصطفى عام ١٩٧٥م وجرة ذهب عجلون عام ٢٠٢٢م

11 سبتمبر 2022
بين جرة مصطفى عام ١٩٧٥م وجرة ذهب عجلون عام ٢٠٢٢م

كتب أ.د.زيدان كفافي لوطنا اليوم :”بين جرة مصطفى عام ١٩٧٥م وجرة ذهب عجلون عام ٢٠٢٢م”

تابعت ما جرى على الاعلام المرأي والمقروء حول حلقة جديدة مفبركة تخص الاثار الاردنية، وهنا خطر ببالي هذه الخاطرة.
كنت في عام ١٩٧٥م طالب ماجستير في الاثار وأميناً لمتحف آثار الجامعة الاردنية. وقررت ثلاث جهات في ذلك العام هي الجامعة الاردنية ويمثلها الدكتور خير ياسين، ودائرة الاثار العامة ويمثلها الدكتور معاوية ابراهيم والمركز الامريكي للابحاث الشرقية ويمثله المرحوم الدكتور جيمس سيوار اجراء مسوحات أثرية تغطي وادي الاردن من العدسية شمالاً وحتى البحر الميت جنوبا، وكان لي شرف المشاركة بها. وقسم العمل على مرحلتين الاولى في عام ١٩٧٥ والثانية في عام ١٩٧٦م.
تبدأ قصة جرة مصطفي، ان مدراء المشروع ارادوا اشراك دليل من أهل المنطقة معهم، يعرف جغرافية المنطقة واسماء المواقع فيها. على أي حال، وفي الايام الاولى من العمل، قررنا الجلوس على مقهى في بلدة الشونة الشمالية، وبدأ الحديث حول المشروع مع بعض الجالسين، فاقترب شخص، وعرّف على نفسه أنه من بلدة”القليعات” ويعرف المنطقة جيداً، وله اهتمام بالاثار، فكان هذا هو الشخص المطلوب للمساعدة في تجوال الفريق بالمنطقة.
ذات يوم أصر مصطفى على دعوة الفريق على طعام الغداء. وطلبنا منه ان يكون الطعام “خبيزة”. ذهبنا في الموعد الى بيت مصطفى في بلدته القليعات. بعد أن دخلنا الى داخل البيت، وجلنا بنظرنا فيه، رأينا زفاَ وقد اصطف فوقه مجموعة من الجرار الفخارية المؤرخة للعصر البرونزي المبكر الرابع (حوالي ٢٤٠٠- ٢٠٠٠ قبل الميلاد)، والعصر البرونزي المتوسط الاول (حوالي ٢٠٠٠ – ١٨٠٠ قبل الميلاد)، وكان قانون الاثار الاردني في حينه يسمح بالاتجار بالاثار. المثير في الامر أن مصطفى ، وهو فنان ماهر، أضاف الى سطوحها زخارف محفورة بيده، وهنا كانت المفاجأة.
حدث انه وقبل البدء بالمسوحات الاثرية في غور الاردن ورد الى مسامع المتخصصين في دائرة الاثار العامة وجود جرة فخارية، وحسب ما أعتقد عند “الافغاني”، فقررت دائرة الاثار العامة شرائها فشكلت لجنة من المتخصصين لهذا الغرض. وبعد ان تفحصت اللجنة الجرة توصلت لما يلي، حسب ما أذكر:
١. أن تاريخ الجرة هو العصر البرونزي المكر الرابع/ بداية العصر البرونزي المتوسط.
٢. أن الزخارف المحفورة على سطح الجرة غير مسبوقة، وغير معروفة من فترة الجرة. وعليه تتفرد الجرة بهذا ويجب شرائها.
بعد تناول الخبيزة مع الليمون والشطة والبصل ، سؤل مصطفى عن مكان الجرار ، فأجاب، وهل قام بزخرفة جرة من المجموعة هذه وبيعها، فأجاب بالايجاب. وتبين ان الجرة المتميزة كانت مزيفة الزخرفة.
أما جرة دهب عجلوان عام ٢٠٢٢م، أنا قرأت وسمعت، ولم اتفحص. لكن في مقابلة تلفزيونية أوضح عطوفة مدير عام الاثار الدكتور فادي البلعاوي، والدكتور فراس العلاونه/ عميد كلية السياحة والتراث في الجامعة الهاشمية حكايتها، لكنني سمعت من بعض المتخصصين الذين شاهدوا الجرة انها من العصر البرونزي المتوسط، حيث لم يعرف الناس العملات النقدية في ذلك الوقت. وأن ما عثر بداخلها كان “خلط بلط” من البقايا الاثرية القديمة والحديثة، يعني مجدرة: رز، وعدس، وبصل. والانكى من هذا وذاك أنها لم تكن في مكانها الاصلي. وان الحكاية مفبركة. وبناء عليه، يجب ان نأخذ الحيطة والحذر قبل اشاعة أمر هذه الامور لان فيها تشويش واضح، واشغال للناس.
الاولى بنا كآثاريين ان نراجع تقارير الحفريات والمسوحات الاثرية لمنطقة العامرية، وأنا متأكد أن دائرة الاثار العامة لا تألو جهداً بهذا الصدد، كما يقوم على مديرية آثار عجلون زميل متميز بعلمه ونشاطه وهو الدكتور اسماعيل ملحم.
يا ناس شو “اللكة”، كل يوم اشاعة جديدة، وتفسيرات جديدة حول آثار الاردن. نحن بحاجة لتشابك الايدي والعقول لمواجهة هذه الامور. وما زلت أتمنى أن ينشأ في الاردن “مركز بحث” متخصص في دراسة التراث ، وتراثنا جزء من كل من تراث بلاد الشام، والعالمين العربي والاسلامي. حمى الله #الاردن.

عمان في ١٠/ ٩/ ٢٠٢٢م