تقافة استثمار أم استهلاك؟!

6 سبتمبر 2022
تقافة استثمار أم استهلاك؟!

بقلم: د. ذوقان عبيدات

    تعدّدت الأنشطة الثقافية، وتنوّعت من مهرجانات وحفلات فنيّة، وعواصم ثقافيّة، ومعارض كتُب، وندوات، ونقاشات، بقيادة وزيرة الثقافة النشيطة جدّا، التي فاق نشاطها كلّ حدود أيّ وزير.

    فلم نلحظ مثلًا نشاطًا مماثِلًا لمن سبق، ولا نشاطًا مماثِلًا  لوزير غير الثقافة! ليس الوقت مناسبًا لذكر بعض وزارات مماثِلة لم نسمع من وزيرها، وماذا تفعل وزارته، أو ما يفعل هو نفسه.

     ومن هنا، نهنىء الجميع، ولن أفعل كما فعلت وزارة التربية في تهنئة مَن تفوّق في التوجيهي، سواءٌ أكانوا الحُفّاظ العشرة أم غيرهم، ولكنني سأذكر بعض الملاحظات الشخصيّة:

1- إن أيّ نشاط مؤثر هو نشاط استثماري لا استهلاكي، فالنشاط الاستثماريّ نشاط يبدأ بعد نهايته، بينما ينتهي النشاط الاستهلاكي عند بدايته، أو لحظة بدايته!!

النشاط الثقافي الاستثماريّ ينتج أفعالًا ثقافية، وارتدادات ثقافية مستمرة، كأن ينجب فنانين جُدُدًا أو شعراءَ جُدُدًا، ويطلق طاقات متنوّعة مثل: إعلام ثقافي، تسويق ثقافي، إنتاج ثقافي، مؤسّسات ثقافية جديدة!

والثقافة الاستثماريّة مستقبلية، تضع قِيَمًا جديدة، وارتقاءً بالمستوى الثقافي، مثل: شعر تنبؤي، أو روايات عن المستقبل، أو تحذيرات من أخطار محتملة ،

أو صورةً مستقبلية لمجتمع ووطن! بينما لا تنتج الثقافة الاستهلاكية غير متعةٍ مؤقتةٍ.

2- والثقافة الاستثماريّة تقودها وتصنعها مؤسّسات مع بعض أفراد مبدِعين من مفكّرين، وفلاسفة، وشعراء، وفنانين وكُتَّاب، ومسرحيّين وغيرهم، بعكس الثقافة الاستهلاكية التي يقودها استعراضيّون وشكليّون. فالدّراما السورية والفن المصري  كانا من منتجات مؤسّسات نشأت منذ الأربعينات؛ ولذلك دخلت ضمائرنا: فكرًا ولهجةً وأقوالًا وسلوكاتٍ ونِكاتٍ أنتجت الأسماء الكبرى في المسرح، والتمثيل، والغناء، والفلسفة والفكر، بينما ندرت الأسماء الأردنية جدّا،

ويكفي أن أذكر أنشودة مثل “الله أكبر” في الخمسينات  كانت قوّة لشعب وجيش وربّما من عوامل الانتصار، وأنّ أغنية : أنا دَمّي فلسطيني من أقوى أدوات المقاومة؛ لأنها تهزُّ وجدان كل عربي، وأنّ بيت شعرٍ واحد في قصيدة  في حلب أسقط  حكومة في دمشق! وكذلك أغنيات فيروز وأم كلثوم، وعبد الوهاب وغيرهم … فالفعل الثقافي الاستثماريّ هو ما يجعلني أنسجم مع الشكل والمضمون والحدَث والمناسبة، وهو طبعًا الفعل الباقي، سواءٌ أكان من مؤسسة أم من فردِ مبدِع.

3- وكما نقول: الفعل الاستثماريّ هو فعل مبادر وليس استجابيّا! فعندما يكون فعل مؤسّسة فإنه يعكس رؤيةً وخطةً، بعكس الفعل الاستهلاكي أو الاستجابيّ، فحين ينطلق المسؤول الثقافي ويتحرك ويزور ويلتقي وفق خطة وزارته، يكون مبادرًا وفاعلًا، أما حين يُدعى لرعاية، أو جاهةٍ ثقافية، فإنه يكون أداة بيد الجهة الداعية! طبعًا ليس عيبًا أن يلبي”يرعى” المسؤول فعلًا ثقافيّا شرط أن يطمئن إلى أنّ ذاك الفعل استثماريّ لا استعراضيّ!!

    لا أطمع في إلغاء الثقافة الاستهلاكيّة، بل أطمع في التقليل منها لحساب الفعل الاستثماريّ.

4- والثقافة الاستثماريّة تتصدّى لظواهرَ مجتمعيّة تعوِّق الفعل الثقافي، وتسمّم بيئته، فلا يجوز مثلًا السكوت عن ظواهر مثل اتهام المهرجانات والاحتفالات بأنها انحلال أخلاقي، ولا بعض الأفلام الإبداعيّة بأنها غريبة عن أخلاقنا وقيمنا، ولا عن ثقافة نزع أرواح من يؤيدون قانون حق الطفل، ولا من يسألون  دَور الفتوى هل يجوز الترحّم على أردنيّ مات، أو مفكّر غير مسلم؟

    الفعل الثقافي الاستثماريّ لا يخاف أمام هذه الظواهر التي يقودها مختطفو القيم والأخلاق والمجتمع! فهل نرى رواية، أو مسرحية، أو أغنية، أو حتى مقالة تنظمها الحكومة؛ حمايةً لها قبل أن تكون لنا؟ وما زلتُ محتارًا: هل تخاف الدولة منهم أم تحبّهم؟ وهل أن سلوكها خوفٌ أم عشقٌ؟!